نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث: إني لأقوم إلى الصلاة وأنا أريد أن أطول فيها

          868- (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِسْكِينٍ) بكسر الميم وسكون السين المهملة، وزيد في رواية: <يعني ابن نُمَيلة> بنون مضمومة وميم مفتوحة، أبو الحسن اليماني نزيل بغداد (قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ) بكسر الموحدة وسكون المعجمة، البجلي الدِّمشقي الأصل، وفي رواية: <بشر بن بكر>.
          (قَالَ: أَخْبَرَنَا) وفي رواية: <حَدَّثنا> (الأَوْزَاعِيُّ) عبد الرَّحمن بن عمر (قَالَ: حَدَّثَنِي) بالإفراد (يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ) بالمثلثة (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِيهِ) أبي قتادة ☺ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلعم : إِنِّي لأَقُومُ إِلَى الصَّلاَةِ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُطَوِّلَ فِيْهَا فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجَوَّزُ) أي: فأخفِّف (فِي صَلاَتِي كَرَاهِيَةَ) نصب على التعليل؛ أي: لأجل كراهية (أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ) وكلمة ((أن)) مصدريَّة، ويروى: <مخافة أن أشقَّ على أمِّه>.
          ومطابقته للتَّرجمة: من حيث إنَّه يدلُّ على حضور النِّساء إلى المساجد مع رسول الله صلعم ، وهو أيضاً أعمُّ من أن يكون باللَّيل أو بالنَّهار.
          قال ابن دقيق العيد: هذا الحديث عامٌّ في النِّساء، إلا أنَّ الفقهاء خصَّصوه بشروط:
          منها: أن لا تطيَّب، وفي بعض الرِّوايات: ((ولتخرجن تَفِلات)) بفتح المثناة وكسر الفاء؛ أي: غير متطيِّبات، يقال: امرأة تفلة إذا كانت متغيِّرة الرِّيح.
          وهو عند أبي داود، وابن خزيمة من حديث أبي هريرة ☺، وعند ابن حبَّان من حديث زيد بن خالد، وأوَّله: ((لا تمنعوا إماء الله مساجد الله)). ولمسلم من حديث زينب امرأة ابن مسعود ☺: ((إذا شهدت إحداكنَّ المسجد فلا تمسَّ طيباً)). انتهى.
          قال: ويلحق بالطِّيب ما في معناه، لأنَّ سبب المنع ما فيه من تحريك داعية الشَّهوة كحسن المَلْبَسِ والحليِّ الذي يظهر أثره والزِّينة الفاخرة، وكذا الاختلاط بالرِّجال.
          وفرَّق كثير من الفقهاء المالكيَّة وغيرهم بين الشَّابة وغيرها. وفيه نظر؛ إلَّا أنَّ أخذ الخوف عليها من جهتها؛ لأنَّها إذا عرت ممَّا ذكر، وكانت متستِّرة حصل الأمن عليها، ولا سيَّما إذا كان ذلك باللَّيل.
          وقد ورد في بعض طرق الحديث وغيره ما يدلُّ على أنَّ صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد، وذلك في رواية حبيب بن أبي ثابت عن ابن عمر ☻ بلفظ: ((لا تمنعوا نساءكم المساجد، وبيوتهنَّ خير لهنَّ)) أخرجه أبو داود، وصحَّحه ابن خزيمة.
          ولأحمد والطَّبراني من حديث أمِّ حميد السَّاعدية: أنَّها جاءت إلى رسول الله صلعم فقالت: يا رسول الله إنِّي أحبُّ الصَّلاة معك، قال: ((قد علمت، وصلاتك في بيتك خير من صلاتك في حجرتك، وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك، وصلاتك في دارك خير من صلاتك في مسجد قومك، وصلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجد الجماعة)) وإسناد أحمد حسن. وله شاهد من حديث ابن مسعود عند أبي داود.
          ووجه كون صلاتها في الأخفى أفضل تحقُّق الأمن فيه من الفتنة، ويتأكَّد ذلك بعد وجود ما أحدثت النِّساء من التبرُّج والتزيُّن، ومن ثمَّة قالت عائشة ما قالت، كما سيأتي في الحديث التَّالي [خ¦869]، والله أعلم.