نجاح القاري لصحيح البخاري

باب الانفتال والانصراف عن اليمين والشمال

          ░159▒ (بابُ الاِنْفِتَالِ وَالاِنْصِرَافِ عَنِ الْيَمِينِ وَالشِّمَالِ) أي: هذا بابٌ في بيان حكم الانفتال في آخر الصَّلاة، وهو أنَّه إذا فرغ من الصَّلاة ينفتلُ عن يمينه إن شاء، أو عن شماله، ولا يتقيَّد بواحدٍ منهما كما يدلُّ عليه أثر أنس ☺ يقال: فتلت الرَّجل عن وجهه فانفتلَ؛ أي: صرفته فانصرف.
          قال الزَّين ابن المُنيِّر: جمع في التَّرجمة بين الانفتال والانصراف للإشارة إلى أنَّه لا فرق في الحكم بين الماكث في مصلَّاه إذا انفتل؛ لاستقبال المأمومين، وبين المتوجِّه لحاجته إذا انصرف إليها.
          (وَكَانَ أَنَسٌ) ويروى: <أنس بن مالك ☺> (يَنْفَتِلُ) أي: ينصرف (عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ، وَيَعِيبُ) من العيب _بالمهملة_ (عَلَى مَنْ يَتَوَخَّى) بتشديد الخاء المعجمة؛ أي: يتحرَّى ويقصد.
          (أَوْ) شكٌّ من الرَّاوي (مَنْ تَعَمَّدَ) بفتح المثناة الفوقية والعين والميم المشددة، وفي رواية: <من يَعْمِد> / بفتح المثناة التحتية وسكون العين وكسر الميم، وفي أخرى: <أو يعمد> بدون كلمة ((من)).
          وهذا التَّعليق وصله مسدَّد في «مسنده الكبير» من طريق سعيد عن قتادة قال: كان أنس ☺، فذكره وقال فيه: ((ويعيب على من يتوخَّى ذلك أن لا ينفتل إلَّا عن يمينه، ويقول: يدور كما يدور الحمار)).
          ويدلُّ عليه ما رواه ابن ماجه بسند صحيح عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه: ((رأيت رسول الله صلعم ينفتل عن يمينه، وعن يساره في الصَّلاة)).
          وكذلك ما رواه ابن حبَّان في «صحيحه» من حديث قَبيصة بن هلب (1) عن أبيه قال: أمَّا رسول الله صلعم ، فكان ينصرف عن جانبيه جميعاً.
          وأخرجه أبو داود وابن ماجه والتِّرمذي، وقال: صحَّ الأمران عن رسول الله صلعم ، ولفظ أبي داود بإسناده إلى قَبيصة بن هلب عن أبيه: أنَّه صلعم كان ينصرف مع شِقَّيْهِ؛ يعني: مع جانبيه؛ يعني تارة عن يمينه، وتارة عن شماله.
          ولفظ التِّرمذي بإسناده أيضاً إلى قبيصة بن هلب عن أبيه قال: ((كان رسول الله صلعم يؤمَّنا، فينصرف على جانبيه على يمينه وعلى شماله))، وقال: حديث حسن، وعليه العمل عند أهل العلم أنَّه ينصرف على أيِّ جانبيه شاء إن شاء عن يمينه، وإن شاء عن يساره.
          ويروى عن علي ☺ أنَّه قال: إن كانت حاجته عن يمينه أخذ عن يمينه، وإن كانت حاجته عن يساره أخذ عن يساره. ثمَّ إنَّ ظاهر هذا الأثر عن أنس ☺ يخالف ما رواه مسلم من طريق إسماعيل بن عبد الرَّحمن السدِّي قال: سألت أنساً كيف أنْصَرِفُ إذا صلَّيت عن يميني أو عن يساري؟ قال: أمَّا أنا فأكثر ما رأيت رسول الله صلعم ينصرف عن يمينه.
          ويجمع بينهما بأنَّ أنساً ☺ عاب من يعتقد تحتُّم ذلك ووجوبه، وأمَّا إذا استوى الأمران عنده فجهة اليمين أولى؛ لأنَّه صلعم كان أكثر انصرافه لجهة اليمين، وكان يحبُّ التيامن في شأنه كلِّه.


[1] في هامش (خ): وهُلْب _ بضم الهاء وسكون اللام _ وقيل: الصواب فيه _ فتح الهاء وكسر اللام _، وذكر بعضهم _ ضم الهاء وفتحها وكسرها _ واسمه يزيد بن قنافة، ويقال: يزيد بن علي بن قنافة وفد على رسول الله صلعم، وهو أقرع فمسح رأسه فنبت شعره فسمَّى هلباً. ذكره العيني. منه.