نجاح القاري لصحيح البخاري

باب إنما جعل الإمام ليؤتم به

          ░51▒ (بابٌ) بالتنوين (إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ) أي: ليقتدى به في أفعال الصَّلاة بأن يتأخَّرَ ابتداءُ فعلِ المأموم عن ابتداء فعل الإمام، وتوافقَ أحوال المأموم أحوال الإمام، فلا يجوز المسابقة، ولا المقارنة الذَّاتيَّة، ولا المخالفة إلَّا ما دلَّ الدليل الشَّرعي عليه.
          ولهذا صدَّر المؤلِّف ☼ بقوله: (وَصَلَّى النَّبِيُّ صلعم فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّي فِيهِ بِالنَّاسِ وَهْوَ جَالِسٌ) أي: والنَّاس خلفه قيام، ولم يأمرهم بالجلوس، فدلَّ ذلك على دخول التَّخصيص في العموم السَّابق في قوله: ((إنَّما جعل الإمام ليؤتمَّ به))، وهو قطعةٌ من الحديث الآتي في الباب [خ¦688]. وهذا التَّعليق قد تقدَّم مسنداً من حديث عائشة ♦ [خ¦378].
          (وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ) ☺: (إِذَا رَفَعَ) أي: المأموم رأسه من الرُّكوع أو السُّجود (قَبْلَ الإِمَامِ فَيَمْكُثُ بِقَدْرِ مَا رَكَعَ، ثُمَّ يَتْبَعُ الإِمَامَ) وهذا التَّعليق وصله / ابن أبي شيبة بإسنادٍ صحيحٍ وسياقه أتمُّ، ولفظه: ((لا تبادروا أئمتكم بالركوع ولا بالسجود (1)، وإذا رفع أحدكم رأسه والإمام ساجد فليسجدْ، ثمَّ ليمكثْ قدر ما سبقه به الإمام)). وكأنَّه أخذه من قوله صلعم : ((إنما جُعل الإمام ليؤتمَّ به))، ومن قوله: ((وما فاتكم فأتموا)). وروى عبد الرَّزَّاق عن عمر ☺ نحو قول ابن مسعود ☺، ولفظه: أيَّما رجل رفع رأسه قبل الإمام في ركوع أو سجود، فليضعْ رأسه بقدر رفعه إيِّاه. وإسناده صحيحٌ، ورواه البيهقيُّ من طريق ابن لَهِيعة.
          وقال البيهقيُّ: روِّيناه عن إبراهيم والشَّعبي أنَّه يعود فيسجد. وحكى ابن سحنون عن أبيه نحوه.
          ومذهب مالك: أنَّ من خفض أو رفع قبل إمامه أنَّه يرجع فيفعل ما دام إمامه لم يرفعْ من ذلك، وبه قال أحمدُ وإسحاق والحسن والنَّخعي. وروي نحوه عن عمر ☺. وقال ابنه: من ركعَ أو سجد قبل إمامه لا صلاة له. وهو قول أهل الظَّاهر.
          وقال الشَّافعي وأبو ثور: إذا ركع أو سجد قبله، فإن أدركه الإمام فيهما أساء. ونحوه حكاه ابن بطَّال.
          ولو أدرك الإمام في الركوع فكبَّر مقتدياً به، ووقف حتَّى رفع الإمام رأسه، فركع لا يجزئه عندنا خلافاً لزفر ☼ .
          تتمة: قال الزَّين ابن المُنيِّر: إذا كان الرَّافع يؤمر عند الرفع بقضاء القدر الذي خرج فيه عن الإمام، فأولى أن يتَّبعه في جملة السُّجود، فلا يسجدُ حتَّى يسجد، وظهر بهذا مناسبة هذا الأثر للتَّرجمة.
          (وَقَالَ الْحَسَنُ) البصري ☼ (فِيمَنْ يَرْكَعُ مَعَ الإِمَامِ رَكْعَتَيْنِ وَلاَ يَقْدِرُ عَلَى السُّجُودِ) لزحامٍ، كما فسِّر في رواية سعيد بن منصور، كما سنذكره إن شاء الله تعالى (يَسْجُدُ لِلرَّكْعَةِ الآخِرَةِ) ويروى: <الأخيرة> (سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ يَقْضِي الرَّكْعَةَ الأُولَى بِسُجُودِهَا) وإنَّما قال: الرَّكعة الأولى، ولم يقل: الثَّانية؛ لاتِّصال الرُّكوع الثَّاني به؛ يعني: أنَّه لا يسجد على ظهر أحد.
          وقال أصحابنا والشَّافعي وأبو ثور: يسجد، ولا إعادة عليه، وقد وصله سعيدُ بن منصور، عن هُشَيم، عن يونس، عن الحسن، ولفظه: في الرَّجل يركع يوم الجمعة فيزحمه النَّاس فلا يقدر على السُّجود، قال: إذا فرغوا من صلاتهم سجد سجدتين لركعته الأولى، ثمَّ يقوم فيصلِّي ركعة وسجدتين. ومقتضاه: أنَّ الإمام لا يتحمَّل الأركان، فمن لم يقدرْ على السُّجود معه لم تصحَّ له الرَّكعة.
          ومناسبته للتَّرجمة من جهة أنَّ المأموم لو كان له أن ينفرد عن الإمام لم يستمر متابعاً في صلاته التي اختلَّ بعض أركانها حتى يحتاج إلى تداركه بعد فراغ الإمام.
          (وَ) قال الحسن أيضاً (فِيمَنْ نَسِيَ سَجْدَةً حَتَّى قَامَ) إلى الرَّكعة الثَّانية (يَسْجُدُ) أي: يطرح القيام / الذي فعله على غير نَظْمِ الصَّلاة، ويجعل وجوده كالعدم، وقد وصله ابن أبي شيبة بأتمَّ منه، ولفظه: في رجل نسي سجدة من أوَّل صلاته، فلم يذكرها حتَّى كان آخر ركعة من صلاته، قال: يسجد ثلاث سجداتٍ، فإن ذكرها قبل السَّلام يسجدُ سجدةً واحدةً، وإن ذكرها بعد انقضاء الصَّلاة يستأنف الصَّلاة.
          وأمَّا مناسبته للتَّرجمة فليست بظاهرة، وكأنَّ المقصود بالذِّكر هنا هو المسألة الأولى، فافهم.


[1] من قوله: ((وهذا التعليق... إلى قوله: ولا بالسجود)): ليست في (خ).