نجاح القاري لصحيح البخاري

باب الخشوع في الصلاة

          ░88▒ (بابُ الْخُشُوعِ فِي الصَّلاَةِ) لمَّا كان الباب السابق في وضع اليمنى / على اليسرى، وهو صفة السَّائل الذليل، وهو أقرب إلى الخشوع، وأمنع من العبث الذي يُذهِب بالخشوع، ذكرَ في ذكر الخشوع حثًّا للمصلي على ملازمته حتى يدخل في زمرة الذين مدحهم الله تعالى في كلامه القديم بقوله: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ. الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون:1-2] قال ابن عبَّاس ☻ : مخبتون أذلَّاء. وقال الحسن: خائفون، وقال مقاتل: متواضعون، وقال عليٌّ ☺: الخشوع في القلب، وأن تُلِين للمسلم كتفكَ ولا تلتفت.
          وقال مجاهد: هو غضُّ البصر، وخفض الجناح، وقال عمرو بن دينار: ليس الخشوع الركوع والسجود، ولكنَّه السكون، وحسن الهيئة في الصلاة.
          وقال ابن سيرين: هو أن لا ترفع بصرك عن موضع سجودك، وقال قتادة: الخشوع: وضع اليمين على الشِّمال في الصَّلاة، وقيل: هو جمع الهمة لها، والإعراض عمَّا سواها.
          وقال أبو بكر الواسطي: هو الصَّلاة لله تعالى على الخلوص من غير غرض، وعن أبي الدَّرداء ☺: يحتاج المصلي إلى أربع خلال حتى يكون خاشعاً: إعظام المقام، وإخلاص المقال، واليقين التام، وترك الهمِّ.
          وقيل: الخشوع تارةً يكون من فعل القلب كالخشية، وتارةً من فعل البدن كالسُّكون، ولابدَّ من اعتبارهما في الخشوع في الصلاة، حكاه الفخر الرازي في «تفسيره».
          وقيل: هو معنى يقوم بالنفس، ويظهر عنه سكون في الأطراف، ويدل على أنَّه فعل القلب حديث علي ☺: الخشوع في القلب. أخرجه الحاكم.
          وأمَّا ما في «مصنف» ابن أبي شيبة عن سعيد بن المسيَّب: أنَّه رأى رجلاً يلعب بلحيته في الصلاة فقال: ((لو خشع هذا خشعتْ جوارحه)).
          ففيه إشارةٌ إلى أنَّ الظاهر عنوان الباطن، وقد تتحرك اليد مع وجود الخشوع؛ ففي «سنن» البيهقي عن عمرو بن حُرَيث قال: كان رسول الله صلعم ربَّما مسَّ لحيته، وهو يصلِّي.
          وصلَّى بعضهم في جامع البصرة فسقطت ناحية من المسجد، فاجتمع الناس عليها، ولم يشعر هو بذلك، والفلاح اسم جامع لسعادات الآخرة.
          وقال تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طـه:14]، وظاهر الأمر: الوجوب، فالغفلة ضدُّ الذكر، فمن غَفل في جميع صلاته كيف يكون مقيماً للصلاة لذكره تعالى، فليُقبِل العبد على ربِّه، ويستحضر بين يدي مَن هو واقف، كان مكتوباً في محراب داود عليه الصَّلاة والسلام: أيُّها المصلِّي من أنت، ولمن أنت، ومن تناجي، ومن ينظر إليك، ومن يسمع كلامك.
          وقال الخراز: ليكن إقبالك على الصَّلاة كإقبالك على الله يوم القيامة، ووقوفك بين يديه، وهو مقبل عليك، وأنت تناجيه.