نجاح القاري لصحيح البخاري

باب ما يقول الإمام ومن خلفه إذا رفع رأسه من الركوع

          ░124▒ (بابُ مَا يَقُولُ الإِمَامُ وَمَنْ خَلْفَهُ) من المقتدين به (إِذَا رَفَعَ) الإمام (رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ) ووقع في شرح ابن بطَّال هكذا: ((باب القراءة في الركوع والسُّجود وما يقول الإمام ومن خلفه إلى آخره))، وتعقَّبه بأن قال: لم يدخل فيه حديثاً لجواز القراءة ولا منعها.
          وقال ابن رُشَيد: هذه الزِّيادة لم تقع فيما روِّيناه من نسخ البخاريِّ انتهى.
          وقد تبعه ابن المُنيِّر ثمَّ اعتذر عن البخاريِّ بأن قال: يحتمل أن يكون وضعها للأمرين فذكر أحدهما، وأخلى للآخر بياضاً ليذكر فيه ما يناسبه، ثمَّ عرض له مانعٌ فبقيت التَّرجمة بلا حديثٍ.
          وقال ابن رُشَيد: يحتمل أن يكون ترجم بالحديث مشيراً إليه ولم يخرِّجه؛ لأنَّه ليس على شرطه لأنَّ في إسناده اضطراباً، وقد أخرجه مسلم من حديث ابن عباس ☻ في أثناء حديث، وفي آخره: ((ألَّا وأني نُهِيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً)).
          ثمَّ تعقَّب على نفسه بأن ظاهر الترجمة: الجواز، / وظاهر الحديث: المنع قال: فيحتملُ أن يكون معنى الترجمة: ((باب حكم القراءة)) وهو أعمُّ من الجواز والمنع.
          وقد اختلف السَّلف في ذلك جوازاً ومنعاً فلعلَّه كان يرى الجواز؛ لأنَّ حديث النَّهي لم يصحَّ عنده. انتهى ملخصاً.
          ومال الزين ابن المُنيِّر إلى هذا الأخير لكن حمله على وجهٍ أخصَّ منه فقال: لعلَّه أراد أنَّ الحمد في الصَّلاة لا حجَّة فيه، وإذا ثبت أنَّه من مطالبها ظهر تسويغ ذلك في الركوع وغيره بأيِّ لفظٍ كان فيدخل في ذلك آيات الحمد كمفتتح الأنعام وغيرها، قيل: ليس في الباب ما يدلُّ على ما يقوله مَنْ خلف الإمام.
          وأجاب عنه ابن رُشَيد أنه قد قدَّم حديث: ((إنَّما جُعِل الإمام ليؤتمَّ به)) ويفهم منه أنَّه يوافق القوم الإمام فيما يقوله إذا رفع رأسه من الرُّكوع، فكأنَّه اكتفى به عن إيراد حديثٍ مستقلٍّ دالٍّ على ذلك صريحاً، وأيضاً قد ورد أيضاً حديث: ((صلُّوا كما رأيتموني أصلِّي)).
          ويمكن أن يكون قاس المأموم على الإمام، وقد ورد في ذلك حديث عن أبي هريرة ☺ أيضاً أخرجه الدارقطنيُّ بلفظ: كنَّا إذا صلَّينا خلف رسول الله صلعم فقال: ((سمع الله لمن حمده، قال من وراءه: سمع الله لمن حمده)). لكن قال الدارقطنيُّ: المحفوظ في هذا: ((فليقل من وراءه: ربَّنا ولك الحمد)).
          وكلُّ هذا مساعدةٌ للبخاريِّ بضروبٍ من التَّوجيهات، وهذا المقدار يحصل فيه الإقناع، وفي هذه المسألة اختلاف يذكر في الباب الآتي إن شاء الله تعالى.