نجاح القاري لصحيح البخاري

باب التسليم

          ░152▒ (بابُ التَّسْلِيمِ) أي: في آخر الصَّلاة، وإنَّما لم يشر إلى حكمه هل هو واجبٌ أو سنَّة؛ لوقوع الاختلاف فيه بتعارض الأدلَّة.
          وقال الحافظ العسقلاني: ويمكن أن يؤخذ الوجوب من حديث الباب حيث جاء فيه: ((كان إذا سلَّم))؛ لأنَّه يشعر بتحقُّق مواظبته صلعم على ذلك، وقد قال: ((صلُّوا كما رأيتموني أصلِّي)) وحديث: ((تحليلها السَّلام)) أخرجه أصحاب «السنن» بسندٍ حسن. انتهى.
          وقال العينيُّ: قد قام الدَّليل على أنَّ التَّسليم / في آخر الصَّلاة غير واجبٍ، وأنَّ تركه غير مفسد للصَّلاة وهو أنَّ رسول الله صلعم صلَّى الظهر خمساً فلمَّا سلَّم أخبر بصنيعه، فثنى رجله فسجد سجدتين، رواه عبد الله بن مسعود ☺.
          وأخرجه الجماعة بطرقٍ متعدِّدةٍ، وألفاظ مختلفة.
          قال الطحاويُّ: ففي هذا الحديث أنَّه أدخل في الصَّلاة من غيرها قبل التَّسليم، ولم ير ذلك مفسداً للصَّلاة، فدلَّ ذلك على أنَّ السلام ليس من صلبها، ولو كان واجباً كوجوب السجدة في الصَّلاة؛ لكان حكمه أيضاً كذلك، ولكنَّه بخلافه فهو سنَّةٌ. انتهى.
          وقد اختلف العلماء في ذلك فقال مالك والشافعي وأحمد وأصحابهم: إذا انصرف المصلِّي من صلاته بغير لفظ التَّسليم فصلاته باطلةٌ.
          حتَّى قال النوويُّ: لو اختلَّ بحرفٍ من حروف السَّلام عليكم لم تصحَّ صلاته.
          واحتجُّوا على ذلك بقوله صلعم : ((تحليلها التسليم)) رواه أبو داود:حَدَّثَنَا عثمان بن أبي شيبة قال:حَدَّثَنَا وكيع، عن سفيان، عن ابن عقيل، عن محمد بن الحنفية، عن علي بن أبي طالب ☺ قال: قال رسول الله صلعم : ((مفتاح الصَّلاة الطَّهور وتحريمها التَّكبير وتحليلها التَّسليم))، وأخرجه الترمذي وابن ماجه أيضاً.
          وأخرجه الحاكم في «مستدركه» وقال: صحيحٌ على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
          وقال النوويُّ: هذا أصحُّ شيءٍ في هذا الباب وأحسنه، وقال العينيُّ: قد اختلفوا في صحَّته بسبب ابن عقيل، وهو عبد الله بن محمد بن عقيل، فقال محمد بن سعد: هو من الطَّبقة الرابعة من أهل المدينة، وكان منكر الحديث لا يحتجُّون بحديثه، وكان كثير العلم.
          وقال ابن المدينيِّ عن بشر بن عمر الزَّهراني: كان مالكٌ لا يروي عنه، وكان يحيى بن سعيدٍ لا يروي عنه. وعن يحيى بن معين: ليس حديثه بحجَّةٍ، وعنه: ضعيف الحديث، وعنه: ليس بذلك. وقال العجليُّ: تابعيٌّ مدنيٌّ جائز الحديث، وقال النسائيُّ: ضعيف، وقال الترمذيُّ: صدوقٌ، وقد تكلَّم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه.
          وعلى تقدير صحَّته أجاب الطحاويُّ عنه بما محصِّله: أنَّ علياً ☺ روى عنه: ((من رابه إذا رفع رأسه من آخر سجدةٍ فقد تمَّت صلاته))، فدلَّ على أنَّ معنى الحديث المذكور لم يكن على أنَّ الصلاة لا تتمَّ إلَّا بالتَّسليم، إذ كانت عنده تتمُّ بما هو قبل التَّسليم، فكان معنى تحليلها التَّسليم: التَّحليل الذي ينبغي أن يحلَّ به هو التسليم، وجواب آخر: أنَّ الحديث المذكور من أخبار الآحاد، فلا يثبتُ به الفرض.
          فإن قيل: كيف أثبت فرضيَّة التكبير به، ولم يثبت فرضية التسليم؟
          فالجواب: أنَّه ليس فرضية التَّكبير به بل بالنَّص وهو قوله تعالى: {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى:15]، وقوله تعالى: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [المدثر:3] غاية ما في الباب يكون الحديث بياناً له، والبيان يصحُّ به كما في مسح الرأس.
          وذهب عطاء بن أبي رباح وسعيد بن المسيَّب وإبراهيم وقتادة / وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وابن جرير الطبريِّ: إلى أنَّه يجب الخروج من الصَّلاة به، ولا يفرض حتَّى لو تركه لا تبطل صلاته؛ لقوله صلعم : ((إذا قعد الإمام في آخر صلاته ثمَّ أحدث قبل أن يسلِّم، فقد تمَّت صلاته))، ولحديث عبد الله بن مسعود ☺، وقد سبق ذكره [خ¦401].
          وفي «المقنع» من كتب الحنابلة: يسلِّم مرتباً معرفاً وجوباً مبتدئاً عن يمينه جهراً مسرًّا به عن يساره. انتهى.
          وسيأتي الكلام في هذا الباب إن شاء الله تعالى.