إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: مثنى مثنى فإذا خشي الصبح صلى واحدة

          472- وبالسَّند قال: (حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ) هو ابن مسرهدٍ (قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ المُفَضَّلِ) بكسر المُوحَّدة وسكون الشِّين المُعجَمة في الأوَّل، وضمِّ الميم وفتح الفاء وتشديد الضَّاد المُعجَمة المفتوحة (عَنْ عُبَيْدِ اللهِ) بضمِّ العين ابن عمر العمريِّ، وللأَصيليِّ: ”حدَّثنا عُبيد الله“ (عَنْ نَافِعٍ) مولى ابن عمر (عَنِ ابْنِ عُمَرَ) بن الخطَّاب ☻ ، وللأَصيليِّ: ”عن عبد الله بن عمر“ (قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ النَّبِيَّ صلعم ) قال الحافظ ابن حجرٍ: لم أقف على اسمه (وَهْوَ عَلَى المِنْبَرِ) جملةٌ حاليَّةٌ (مَا تَرَى) أي: ما رأيك(1)، أو من: «رأى» بمعنى «علم»، والمُراد: لازِمُه إذ العالم يحكم بما علم شرعًا (فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ؟ قَالَ) ╕ : (مَثْنَى مَثْنَى) أي: صلاة اللَّيل مثنى مثنى، فالمبتدأ محذوفٌ، و«مَثْنى» غير منصرفٍ للعدل والوصف، أي: اثنين اثنين، وكرَّره للتَّأكيد، قال الزَّركشيُّ ☼ في «تعليق العمدة»: استشكل بعضهم التَّكرار، فإنَّ القاعدة فيما عُدِل من أسماء الأعداد ألَّا(2) يُكرَّر، فلا يُقال: جاء القوم مثنى مثنى، وأُجيب بأنَّه تأكيدٌ لفظيٌّ، لا لقصد التَّكرار، فإنَّ ذلك مُستفادٌ من الصِّيغة، ثمَّ قال: وأقول: إنَّ أصل السُّؤال فاسدٌ، بل لا بدَّ من التَّكرار إذا كان العدل في لفظٍ واحدٍ كمَثْنى مَثْنى، وثُلَاث ثُلَاث. قال الشَّاعر:
هنيئًا لأربابِ البيوتِ بيوتُهم                     وللآكلينَ التَّمرَ مَخْمَسَ مَخْمسًا
          ومنه الحديث: «مَثْنى مَثْنى»، فإن وقعت بين لفظين أو ألفاظٍ مختلفةٍ لم يَجُزْ التَّكرار كمَثْنى وثُلَاث ورُبَاع، والحكمة في ذلك: أنَّ ألفاظ العدد المعدولة مشروطةٌ بسبق ما يقع فيه التَّفصيل تحقيقًا نحو: { أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى (3)}[فاطر:1] أو تقديرًا‼ نحو: «صلاة اللَّيل مَثْنى مَثْنى»، فإذا أُرِيد(4) تفصيله من نوعٍ واحدٍ وجب تكريره لأنَّ وقوعه بعده إمَّا هو(5) على جهة الخبريَّة، أو الحاليَّة، أو الوصفيَّة، فحمله عليه يقتضي مُطابَقته له، فلا بدَّ من تكريره(6) لتحصل المُوافَقة له إذ لا يحسن وصف الجماعة باثنين، وإن كان من ألفاظٍ مُقدَّرةٍ(7) متعدِّدةٍ، فالمجموع تفصيلٌ للمجموع، فكان وافيًا به، فلأجل ذلك لم يُكرَّر، نحو(8) قوله تعالى: { فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ }[النساء:3] وإنَّما كان العدل في هذه الألفاظ من غير تكرارٍ ليصيب كلُّ ناكحٍ ما شاء من هذه الأعداد، إذ لو كان من لفظٍ واحدٍ لاقتصر النَّاكحون على ذلك العدد. انتهى. وتعقَّبه في «المصابيح» بأنَّه لا يعرف أحدًا من النُّحاة ذهب إلى هذا التَّفصيل الَّذي ذكره، وفي «الصِّحاح»: إذا قلت(9): جاءت الخيل مثنى(10)، فالمعنى: اثنين اثنين(11)، أي: جاؤوا مزدوجين، فهذا ممَّا يقدح في إيجاب التَّكرير في اللَّفظ الواحد، ثمَّ بناء(12) ما ذكره على الحكمة(13) الَّتي أبداها بناءٌ واهٍ لأنَّ المُطابَقة حاصلةٌ بدون تكرير اللَّفظ المعدول من جهة المعنى، وذلك أنَّك إذا قلت: جاء القوم مَثْنى، إنَّما معناه: اثنين اثنين وهكذا، فهو بمعنى: مزدوجين، كما قال الجوهريُّ، ولا شكَّ في صحَّة حمل مزدوجين على القوم، ثمَّ تكرير(14) اللَّفظ المعدول لا يوجب المُطابَقة لأنَّ الثَّاني كالأوَّل سواءٌ، وليس ثَمَّ حرفٌ يقتضي الجمع حتَّى تحسن(15) المُطابَقة الَّتي قصدها، فلا يظهر وجهٌ صحيحٌ لما قاله وبناه. انتهى. (فَإِذَا خَشِيَ) المصلِّي (الصُّبْحَ صَلَّى) ركعةً (وَاحِدَةً، فَأَوْتَرَتْ) تلك الرَّكعة (لَهُ مَا صَلَّى) احتجَّ به الشَّافعيَّة على أنَّ أقلَّ الوتر ركعةٌ واحدةٌ، مع حديث ابن عمر ☻ مرفوعًا: «الوتر ركعةٌ من آخر اللَّيل»، وقال المالكيَّة: أي: ركعةٌ مع شفعٍ تقدَّمها / ، ومباحث ذلك تأتي إن شاء الله تعالى، قال نافعٌ: (وَإِنَّهُ) أي: ابن عمر (كَانَ يَقُولُ: اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ وِتْرًا) وللأَصيليِّ وأبي الوقت في نسخةٍ عنهما وابن عساكر: ”آخر صلاتكم باللَّيل“ فزاد لفظ: ”باللَّيل“ وعزاها في «الفتح» لرواية الكُشْمِيْهَنِيِّ والأَصيليِّ(16) فقط (فَإِنَّ النَّبِيَّ صلعم أَمَرَ بِهِ) أي: بالوتر، أو بالجعل الَّذي يدلُّ عليه قوله: «اجعلوا»، فإن قلت: ما وجه المُطابَقة بين الحديث والتَّرجمة؟ أُجيب بأنَّ كونه ╕ على المنبر يدلُّ على جماعةٍ جالسين في المسجد، ومنهم الرَّجل الَّذي سأل عن صلاة اللَّيل.
           ورواة هذا الحديث ما بين بصريٍّ ومدنيٍّ، وفيه: التَّحديث والعنعنة والقول.


[1] في (م): «تريد».
[2] في (د) و(م): «أنَّه».
[3] «{مَّثْنَى}»: مثبتٌ من (م).
[4] في (ص): «أراد».
[5] «هو»: مثبتٌ من (د) و(م).
[6] في (د): «تكرُّره».
[7] «مُقدَّرةٍ»: مثبتٌ من (ب) و(س).
[8] في (د): «مع».
[9] في (د): «قلنا».
[10] زيد في (د) و(م): «مَثْنى».
[11] قوله: «فالمعنى: اثنين اثنين»، ليس في (د) و(م).
[12] في (ص): «بُنِي».
[13] في (م): «على هذه الكلمة»، ولعلَّه تحريفٌ.
[14] في (د): «تكرُّر».
[15] في (د): «تحصل».
[16] في (د): «وللأَصيليِّ».