إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب ما يذكر في الفخذ

          ░12▒ (بابُ مَا يُذْكَرُ فِي) حكم (الفَخِذِ) وللكُشْمِيْهَنِيِّ: ”من الفخذ“ (وَيُرْوَى) بضمِّ الياء مبنيًّا للمفعول، تعليقٌ بصيغة التَّمريض، ولأبوي ذَرٍّ والوقت: ”قال أبو عبد الله“ أي: البخاريُّ: ”ويُروَى“ (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ) ☻ ممَّا وصله أحمد والتِّرمذيُّ بسندٍ فيه أبو يحيى القتَّات، وهو ضعيفٌ (وَ) عن (جَرْهَدٍ) بفتح الجيم والهاء، الأسلميِّ ممَّا وصله في(1) «المُوطَّأ» وحسَّنه التِّرمذيُّ وصحَّحه / ابن حبَّان (وَ) عن (مُحَمَّدِ ابْنِ جَحْشٍ) نسبه إلى جدِّه لشُهرته به، وإِلَّا فاسم أبيه عبد الله الأسديُّ، وهو ابن أخي زينب أُمِّ المؤمنين، له ولأبيه صحبةٌ، قال ابن حبَّان‼: سمع من النَّبيِّ صلعم ، ووصل حديثه هذا المؤلِّف في «تاريخه»، وأحمد والحاكم (عَنِ النَّبِيِّ صلعم : الفَخِذُ عَوْرَةٌ).
          (وَقَالَ أَنَسٌ) ممَّا وصله المؤلِّف قريبًا، وللأَصيليِّ: ”وقال أنس بن مالكٍ“: (حَسَرَ) بالمُهمَلات المفتوحة، أي: كشف (النَّبِيُّ صلعم عَنْ فَخِذِهِ، وَحَدِيثُ أَنَسٍ)(2) ولابن عساكر: ”قال أبو عبد الله“ أي: المؤلِّف: وحديث أنسٍ (أَسْنَدُ) أي: أقوى وأحسن سندًا من الحديث السَّابق (وَ) هو (حَدِيثُ جَرْهَدٍ) وما معه، لكنَّ العمل به (أَحْوَطُ) من حديث أنسٍ، أي: أكثر احتياطًا في أمر السَّتر(3) (حَتَّى يُخْرَجَ) بضمِّ المُثنَّاة التَّحتيَّة وفتح الرَّاء، وفي روايةٍ: ”حتَّى يَخْرُجَ“ بفتح المُثنَّاة التَّحتيَّة وضمِّ الرَّاء، كذا في الفرع، وقال الحافظ ابن حجرٍ: في روايتنا: بفتح النُّون وضمِّ الرَّاء (مِنِ اخْتِلَافِهِمْ) أي: العلماء، فقال الجمهور من التَّابعين وأبو حنيفة ومالكٌ في أصحِّ أقواله، والشَّافعيُّ وأحمد في أصحِّ روايتيه، وأبو يوسف ومحمَّدٌ: الفخذ عورةٌ، وذهب ابن أبي ذئبٍ وداود وأحمد في إحدى روايتيه، والإصطخريُّ من الشَّافعيَّة وابن حزمٍ: إلى أنَّه ليس بعورةٍ، قال في «المُحلَّى»: لو كان عورةً ما كشفها الله تعالى من رسوله المُطهَّر المعصوم من النَّاس، ولا رآها أنسٌ ولا غيره.
           (وَقَالَ أَبُو مُوسَى) الأشعريُّ، ممَّا هو طرفٌ من حديثٍ موصولٍ عند المؤلِّف في «مناقب عثمان ☺ » [خ¦3695]: (غَطَّى النَّبِيُّ صلعم رُكْبَتَيْهِ) بالتَّثنية، وفي روايةٍ: ”ركبته“ (حِينَ دَخَلَ عُثْمَانُ) ☺ أدبًا معه واستحياءً منه(4)، ولذا قال _كما في «مسلمٍ» و«البيهقيِّ»_: «ألا أستحي من رجلٍ تستحي منه الملائكة؟!» وقد كان ╕ يفعل مع كلِّ واحدٍ من أصحابه ما هو الغالب عليه، فلمَّا كان الغالب على عثمان ☺ الحياء عَامَلَهُ بذلك جزاءً وفاقًا، فكشفُ ركبته ╕ قبل دخول عثمان ☺ دليلٌ على أنَّها ليست بعورةٍ، مع أنَّ ستر(5) العورة واجبٌ مطلقًا، ولو في خلوةٍ إِلَّا(6) عن(7) نفسه، ويُكرَه نظره سوءتيه، ويُباح كشفها لغسلٍ ونحوه خاليًا، وعورة الرَّجل والصَّبيِّ والأَمَة _قنَّةً أو مُبعَّضَةً أو مُكاتبَةً أو مُدبَّرةً أو مُستولَدةً_ والحُرَّة عند المحارم عند الشَّافعيَّة: ما بين السُّرَّة والرُّكبة؛ لحديث: «عورة الرَّجل ما بين سرَّته إلى ركبته» رواه الحارث بن(8) أبي أسامة، وقِيسَ بالرَّجل الأَمَة بجامع أنَّ رأس كلٍّ منهما ليس بعورةٍ، وفي «السُّنن»: أنَّ عورتها ما بين معقد إزارها إلى ركبتيها. نعم يجب ستر بعض السُّرَّة والرُّكبة ليحصل السَّتر، وقِيلَ: هما عورةٌ، وقِيلَ: الرُّكبة دون السُّرَّة لحديث الدَّارقُطنيِّ: «عورة الرَّجل ما دون سُرَّته حتَّى يجاوز ركبتيه»، وهو مذهب الحنفيَّة، وعورة المرأة الحُرَّة في الصَّلاة، وعند الأجنبيِّ جميع بدنها إِلَّا الوجه والكَفَّين، أي: اليدين ظاهرًا وباطنًا إلى الكوعين، كما فسَّر به ابن عبَّاسٍ قوله تعالى: { إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا}[النور:31] والخنثى كالأنثى، فلو استتر كالرَّجل بأن اقتصر على ستر ما بين سرَّته وركبته وصلَّى لم تصحَّ صلاته على الأصحِّ في «الرَّوضة»، والأفقه في «المجموع»‼ للشَّكِّ في السَّتر، وصحَّح في «التَّحقيق» صحَّتها، وأمَّا في الخلوة فالَّذي يجب ستره فيها هو العورة الكبرى، قاله الإمام، وقال أبو حنيفة في أصحِّ الرِّوايتين عنه: قدم المرأة ليس بعورةٍ لأنَّ المرأة مبتلاةٌ بإبداء قدميها في مشيها، إذ ربَّما لا تجد الخفَّ.
          (وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ) الأنصاريُّ النَّجاريُّ، كتب الوحي لرسول الله صلعم ، وجمع القرآن في عهد أبي بكر ☺ ، وتعلَّم كتاب يهود في نحو(9) نصف شهرٍ، والسِّريانيَّة في سبعة عشر يومًا بأمره ╕ ، وكان من علماء الصَّحابة، وقال ╕ : «أفرضُكم زيدٌ» رواه أحمد بإسنادٍ صحيحٍ، وتُوفِّي سنة اثنتين أو ثلاثٍ أو خمسٍ وأربعين، وقال أبو هريرة حين تُوفِّي: مات حَبْر هذه الأمَّة، وعسى الله أن يجعل في ابن عبَّاسٍ منه خلفًا، وتعليقه هذا وصله المؤلِّف(10) في تفسير سورة «النِّساء» [خ¦4592]: (أَنْزَلَ اللهُ) تعالى (عَلَى رَسُولِهِ صلعم ) في قوله تعالى: {لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } الاية[النساء:95] (وَفَخِذُهُ) بواو الحال(11)، ولأبي ذرٍّ عن الكُشْمِيْهَنِيِّ: ”فخذه“ (عَلَى فَخِذِي، فَثَقُلَتْ) بضمِّ / القاف، أي: فخذه ╕ (عَلَيَّ حَتَّى خِفْتُ أَنْ تَرَضَّ) بفتح المُثنَّاة الفوقيَّة وتشديد المُعجمَة؛ أي(12): تكسر (فَخِذِي) نُصِب بفتحٍ مُقدَّرٍ، ويجوز: «تُرَضَّ فخذي» بضمِّ المُثنَّاة وفتح الرَّاء، و«فخذي» رُفِع بضمَّةٍ مُقدَّرةٍ، قيلَ: لا وجه لإدخال المؤلِّف هذا الحديث هنا لأنَّه لا دلالة فيه على حكم الفخذ نفيًا ولا إثباتًا، وأُجيب بالحمل على المسِّ من غير حائلٍ لأنَّه الأصل، وهو يقتضي النَّفي لأنَّ مسَّ العورة بلا حائلٍ حرام كالنَّظر، وتُعقِّب بأنَّه لو كان فيه تصريحٌ بعدم الحائل لدلَّ على أنَّه ليس بعورةٍ، إذ لو كان عورةً لَمَا مكَّن ╕ فخذه على فخذ زيدٍ.


[1] «في»: ليس في (ص).
[2] قوله: «ممَّا وصله المؤلِّف قريبًا... وَحَدِيثُ أَنَسٍ» سقط من (م).
[3] في (د): «النَّهي»، وفي (م): «الدِّين».
[4] «منه»: مثبتٌ من (م).
[5] في (د) و(م): «وستر».
[6] في (م): «لا».
[7] في (د): «من».
[8] في (د): «عن»، وهو تحريفٌ.
[9] «نحو»: ليس في (م).
[10] «المؤلِّف»: ليس في (د).
[11] في غير (ب) و(س): «العطف».
[12] «أي»: ليس في (د).