إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب ما جاء في القبلة

           ولمَّا فرغ المؤلِّف من حكم التَّوجُّه إلى القبلة شَرَعَ يذكر حكم مَن سها فصلَّى إلى غير القبلة، فقال:
           ░32▒ (بابُ مَا جَاءَ فِي القِبْلَةِ) غير ما ذُكِرَ (وَمَنْ لَا يَرَى الإِعَادَةَ) ولأبوي ذَرٍّ والوقت والأَصيليِّ وابن عساكر: ”ومن لم يرَ الإعادة“ (عَلَى مَنْ سَهَا فَصَلَّى إِلَى غَيْرِ القِبْلَةِ) الفاء تفسيريَّةٌ لأنَّه تفسيرٌ(1) لقوله: «سها»، قاله البرماويُّ كالكِرمانيِّ، وتعقَّبه العينيُّ فقال: فيه بُعْدٌ، والأَوْلى أن‼ تكون للسَّببيَّة كقوله تعالى: {فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً }[الحج:63] وأصل هذه المسألة في المجتهد في القبلة إذا صلَّى به فتيقَّن الخطأ في الجهة في الوقت أو بعده فإنَّه يقضي على الأظهر، والثَّاني لا يجب القضاء لعذره بالاجتهاد، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه وإبراهيم النَّخعيُّ والثَّوريُّ لأنَّ جهة تحرِّيه هي الَّتي خُوطِب بها، أي(2): باستقبالها حالة الاشتباه(3)، فأتى بالواجب عليه فلا يعيدها، وقال المالكيَّة: يعيد في الوقت المختار، وهو مذهب المُدوَّنة، وقال أبو الحسن المَرْدَاوِيُّ من الحنابلة في «تنقيح المقنع»: ومَن صلَّى بالاجتهاد سفرًا فأخطأ لم يُعِدْه(4). انتهى. فلو تيقَّن الخطأ وهو(5) في الصَّلاة وجب استئنافها عند الشَّافعيَّة والمالكيَّة، ويستدير إلى جهة القبلة ويبني على ما مضى عند الحنفيَّة، وهو قولٌ للشَّافعيَّة لأنَّ أهل قباء لمَّا بلغهم نسخ القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة استداروا في الصَّلاة إليها.
           (وَقَدْ سَلَّمَ النَّبِيُّ صلعم فِي رَكْعَتَيِ الظُّهْرِ) وللأَصيليِّ: ”في ركعتين من الظُّهر“ (وَأَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ بِوَجْهِهِ) الشَّريف (ثُمَّ أَتَمَّ مَا بَقِيَ) من الرَّكعتين الأخيرتين، وهذا التَّعليق قطعةٌ من حديث أبي هريرة في قصَّة ذي اليدين المشهور [خ¦482] ووجه ذكره في التَّرجمة: أنَّه ╕ بانصرافه وإقباله على النَّاس بوجهه بعد سلامه كان وهو عند نفسه الشَّريفة في غير صلاةٍ، فلمَّا مضى على(6) صلاته كان وقت استدبار القبلة في حكم المصلِّي، فيُؤخَذ منه: أنَّ من اجتهد ولم يصادف القبلة لا يعيد.


[1] «لأنَّه تفسيرٌ»: ليس في (م).
[2] «بها أي»: مثبتٌ من (م).
[3] في (م): «الاجتهاد».
[4] في غير (ص) و(م): «يُعِد».
[5] «وهو»: مثبتٌ من (م).
[6] في (د): «في».