إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: إن أحدكم إذا قام في صلاته فإنه يناجي ربه

          405- وبه قال: (حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ) بن سعيدٍ الثَّقفيُّ (قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ حُمَيْدٍ) الطَّويل (عَنْ أَنَسٍ) وللأَصيليِّ: ”عن أنس بن مالكٍ ☺ “: (أَنَّ النَّبِيَّ صلعم رَأَى نُخَامَةً) بالميم مع ضمِّ النُّون، وهي ما يخرج من الصَّدر، أو من الرَّأس (فِي) الحائط الَّذي من(1) جهة (القِبْلَةِ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ) صلعم (حَتَّى رُئِيَ) بضمِّ الرَّاء وكسر الهمزة وفتح الياء، وللأَصيليِّ وأبي ذَرٍّ عن الكُشْمِيْهَنِيِّ: ”حتَّى(2) رِيْء“ بكسر الرَّاء وسكون الياء آخره همزةٌ، أي: شُوهِد (فِي وَجْهِهِ) أثر المشقَّة، وفي رواية النَّسائيِّ: «فغضب حتَّى احمرَّ وجهه» (فَقَامَ) ╕ (فَحَكَّهُ) أي: أثر النُّخامة (بِيَدِهِ فَقَالَ) ╕ ، ولابن عساكر: ”وقال“: (إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ فِي صَلَاتِهِ) بعد شروعه فيها (فَإِنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ) من جهة مساررته بالقرآن والأذكار‼، فكأنَّه يناجيه تعالى والرَّبُّ تعالى يناجيه من جهةِ لازمِ ذلك وهو إرادة الخير، فهو من باب المجاز لأنَّ القرينة صارفةٌ عن إرادة الحقيقة إذ لا كلام محسوسٌ إِلَّا من جهة العبد (أَوْ أَـإِنَّ) بفتح الهمزة وكسرها كما في «اليونينيَّة»، ولأبي ذَرٍّ عن الحَمُّويي(3) والمُستملي: ”وإنَّ“ (رَبَّهُ) بواو العطف، أي: اطِّلاع(4) ربِّه على ما (بَيْنَهُ وَبَيْنَ القِبْلَةِ) إذ ظاهره مُحالٌ لتنزيه الرَّبِّ تعالى عن المكان، فيجب على المصلِّي إكرام قبلته بما يكرم به من يناجيه من المخلوقين عند استقبالهم بوجهه، ومن أعظم الجفاء(5) وسوء الأدب أن تتنخَّم في توجُّهك إلى ربِّ الأرباب، وقد أعلمنا الله تعالى بإقباله على مَن توجَّه إليه، قاله ابن بطَّالٍ. وقال الطِّيبيُّ: فإنَّه يناجي ربَّه، تعليلٌ للنَّهي(6) شَبَّهَ العبد وتوجُّهه إلى الله ╡ في الصَّلاة، وما فيها من القرآن والأذكار، وكشف الأسرار، واستنزال رأفته ورحمته، مع الخشوع والخضوع بمن يناجي مولاه، فمن شرائط حسن الأدب أن يقف محاذيه ويُطْرِق رأسه ولا يمدَّ بصره إليه، ويراعي جهة إمامه حتَّى لا يصدر منه(7) من تلك الهيئات(8) شيءٌ، وإن كان(9) الله تعالى مُنزَّهًا عن الجهات لأنَّ الآداب الظَّاهرة والباطنة مرتبطٌ بعضها مع بعض(10) (فَلَا يَبْزُقَنَّ) بنون التَّوكيد الثَّقيلة، وللأَصيليِّ: ”فلا(11) يبزق(12)“ (أَحَدُكُمْ قِبَلَ) بكسر القاف وفتح المُوحَّدة، أي: جهة (قِبْلَتِهِ) الَّتي عظَّمها الله تعالى، فلا تقابل بالبزاق المقتضي(13) للاستخفاف والاحتقار، والأصحُّ: أنَّ النَّهي للتَّحريم كما يدلُّ عليه قوله في حديث الباب: فشقّ ذلك عليه حتَّى رُئِي في وجهه، وفي رواية النَّسائيِّ _كما مرَّ بعضه_: «حتَّى احمرَّ وجهه»، وبه جزم النَّوويُّ في «التَّحقيق» و«المجموع»، وكان تمسَّك بقوله في الحديث الصَّحيح: أنه خطيئةٌ، لكن في حديث مسلمٍ عن أبي ذَرٍّ: ووجدت في مساوئ أعمالها النُّخامة تكون في المسجد. بل بذلك، وببقائها غير مدفونةٍ(14) (وَلَكِنْ) يبزق (عَنْ يَسَارِهِ) أي: لا عن يمينه، فإنَّ عن يمينه كاتبَ الحسنات، كما رواه ابن أبي شيبة بسندٍ صحيحٍ (أَوْ تَحْتَ قَدَمَيْهِ) بالتَّثنية، ولأبوي ذَرٍّ والوقت وابن عساكر: ”قدمه“ أي: اليسرى، كما في حديث أبي هريرة في الباب الآتي، قال النَّوويُّ: هذا في غير المسجد، أمَّا فيه فلا يبزق إِلَّا في ثوبه (ثُمَّ أَخَذَ) ╕ (طَرَفَ رِدَائِهِ فَبَصَقَ فِيهِ، ثُمَّ رَدَّ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ، فَقَالَ: أَوْ يَفْعَلْ هَكَذَا) عُطِفَ على المُقدَّر بعد حرف الاستدراك، أي: ولكن ليبزق عن يساره، أو يفعل هكذا، وفيه البيان بالفعل لأنَّه أوقع في النَّفس، وليست لفظة: «أو» هنا للشَّكِّ، بل للتَّنويع، أي(15): هو مُخيَّر بين هذا وهذا، لكن سيأتي أنَّ المصنِّف حمل هذا الأخير على ما إذا بدره البصاق، وحينئذٍ فـ «أو» للتَّنويع.
          وأخرج هذا الحديث المؤلِّف في «كفَّارة البزاق في المسجد» [خ¦415] وفي «باب إذا بدره البزاق» [خ¦417] وفي غيرهما، وكذا مسلمٌ والتِّرمذيُّ وأبو داود والنَّسائيُّ.


[1] في (ب) و(س): «في».
[2] «حتَّى»: ليس في (د).
[3] في (د): «الكشميهنيِّ»، وليس بصحيحٍ.
[4] في (ص): «أطاع»، وهو تحريفٌ.
[5] في (د): «الخطأ».
[6] في غير (د): «المنهيِّ».
[7] في غير (د): «فيه»، ولعلَّه تحريفٌ.
[8] في (د): «الهناة»، وهو تحريفٌ.
[9] «كان»: ليس في (د).
[10] قوله: «وقال الطِّيبيُّ: فإنَّه يناجي ربَّه... والباطنة مرتبطٌ بعضها مع بعض» مثبتٌ من (م).
[11] «فلا»: ليس في (د).
[12] في (م): «يبزقنَّ»، وليس بصحيحٍ.
[13] في (م): «المتضمِّن».
[14] قوله: «كما يدلُّ عليه قوله... وببقائها غير مدفونةٍ» مثبتٌ من (م).
[15] في (د) و(ص): «أو».