إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: أصلى النبي في الكعبة

          397- وبه قال: (حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ) هو ابن مسرهدٍ (قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى) القطَّان (عَنْ سَيْفٍ) بفتح السِّين، زاد ابن عساكر: ”يعني(1): ابن أبي سليمان“ كما في الفرع، المخزوميِّ المكِّيِّ (قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا) الإمام المفسّر (قَالَ: أُتِيَ ابْنُ عُمَرَ) بن الخطَّاب ☻ ، بضمِّ الهمزة مبنيًّا للمفعول (فَقِيلَ لَهُ) / لم يعرف الحافظ ابن حجرٍ اسم هذا(2) القائل: (هَذَا رَسُولُ اللهِ صلعم دَخَلَ الكَعْبَةَ. فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَأَقْبَلْتُ وَالنَّبِيُّ صلعم قَدْ خَرَجَ) من الكعبة (وَأَجِدُ بِلَالًا) حال كونه (قَائِمًا بَيْنَ البَابَيْنِ) أي: مصراعي الباب إذ لم يكن للكعبة يومئذٍ إِلَّا بابٌ، وفي رواية الحَمُّويي: ”بين النَّاس“ بالنُّون والسِّين المُهمَلة بدل «البابين»، قال في «الفتح»: وهي أوضح، وعبَّر بالمضارع في قوله: «وأجد» حكايةً عن الحال الماضية، أو استحضارًا لتلك الصُّورة حتَّى كأنَّ المُخاطَب يشاهدها، وإِلَّا فكان المناسب للسِّياق أن يقول: ووجدت (فَسَأَلْتُ بِلَالًا فَقُلْتُ: أَصَلَّى) بهمزة الاستفهام، ولأبي ذَرٍّ والأَصيليِّ: ”صلَّى“ بإسقاطها (النَّبِيُّ) وللأَصيليِّ وحده: ”رسول الله“ ( صلعم فِي الكَعْبَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ) صلَّى (رَكْعَتَيْنِ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ) تثنية: ساريةٍ، وهي الأسطوانة (اللَّتَيْنِ عَلَى يَسَارِهِ) أي: الدَّاخل، أو يسار البيت، أو هو من الالتفات، ولأبي ذرٍّ عن الكُشْمِيْهَنِيِّ: ”يسارك“ بالكاف، وهي أنسب لقوله: (إِذَا دَخَلْتَ، ثُمَّ خَرَجَ) من البيت‼ (فَصَلَّى فِي وَجْهِ) مواجهة(3) (الكَعْبَةِ رَكْعَتَيْنِ) عند مقام إبراهيم، وبذلك تحصل المطابقة للتَّرجمة، أو جهة الباب عمومًا، وقد أجمع أهل الحديث على الأخذ برواية بلال لأنَّه مُثْبِتٌ ومعه زيادة علمٍ، فوجب ترجيح روايته على النَّافي كأسامة، وسبب نفيه اشتغاله بالدُّعاء في ناحيةٍ من نواحي البيت غير الَّتي كان فيها الرَّسول صلعم مع غلق الباب، وكان بلالٌ قريبًا منه ╕ ، فخفي على أسامة لبعده واشتغاله ولم يشاهد ما شاهده بلالٌ لقربه، وجاز له النَّفيُ عملًا بالظَّنِّ، أو أنَّه ╕ دخل البيت مرَّتين: مرَّةً صلَّى، ومرَّةً دعا ولم يصلِّ.
          ورواة هذا الحديث الخمسة مابين بصريٍّ ومكِّيٍّ، وفيه: التَّحديث والعنعنة، وأخرجه أيضًا في «الحجِّ» [خ¦1599] و«الصَّلاة» [خ¦468] و«الجهاد» [خ¦2988]، ومسلمٌ في «الحجِّ»، وكذا أبو داود والنَّسائيُّ وابن ماجه.


[1] «يعني»: ليس في (م).
[2] «هذا»: ليس في (د) و(م).
[3] في (م): «مواجه».