إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: ما بقي بالناس أعلم مني هو من أثل الغابة

          377- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ) المدينيُّ (قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) بن عُيَيْنَةَ (قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمٍ) بالحاء المُهمَلة والزَّاي، سلمة بن دينارٍ (قَالَ: سَأَلُوا سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ) بسكون العين، السَّاعديَّ (مِنْ أَيِّ شَيْءٍ المِنْبَرُ) النَّبويُّ المدنيُّ؟ ولأبي داود: إنَّ رجالًا أتوا سهل بن سعد السَّاعديَّ وقدِ امتَروا في المنبر ممَّ عُوده؟ (فَقَالَ) سهلٌ: (مَا بَقِيَ بِالنَّاسِ) وفي روايةٍ: ”من النَّاس“ ولأبوَي ذَرٍّ والوقت: ”في النَّاس“ (أَعْلَمُ مِنِّي) أي: بذلك (هُوَ مِنْ أَثْلِ الغَابَةِ) بالغين المُعجمَة والمُوحَّدة، موضعٌ قرب المدينة من العوالي، والأَثْل بفتح الهمزة وسكون المُثلَّثة: شجرٌ كالطَّرفاء(1) لا شوك له، وخشبُه جيِّدٌ، يُعمَل منه القِصَاع والأواني، وورقه أشنانٌ يغسل به القَصَّارون (عَمِلَهُ) أي: المنبر (فُلَانٌ) _بالتَّنوين_ هو ميمونٌ، قال الحافظ ابن حجرٍ: وهو الأقرب فيما قاله الصَّغانيُّ(2)‼، أو باقُوم _فيما قاله الغافقيُّ_ وهو بمُوحَّدةٍ فألفٍ فقافٍ فواوٍ فميمٍ، الرُّوميُّ مولى سعيد بن العاص، أو باقولٌ _باللَّام_ فيما رواه عبد الرَّزَّاق، أو قبيصة المخزوميُّ (مَوْلَى فُلَانَةَ) بعدم الصَّرف، للتَّأنيث والعلميَّة، أنصاريَّةٌ، وهي عائشة _فيما قاله البرماويُّ كالكِرمانيِّ_ ورواه الطَّبرانيُّ بلفظ: وأمرت عائشة فصنعت له منبره، لكنَّ سندَه ضعيفٌ، وقِيلَ: مِينا _بكسر الميم_ أو هو صالحٌ مولى العبَّاس، ويحتمل أن يكون الكلُّ اشتركوا في عمله (لِرَسُولِ اللهِ) أي: لأجله ( صلعم ، وَقَامَ عَلَيْهِ) أي: على المنبر (رَسُولُ اللهِ صلعم حِينَ عُمِلَ، وَوُضِعَ) بالبناء للمفعول فيهما (فَاسْتَقْبَلَ) ◙ (القِبْلَةَ كَبَّرَ) بغير واو، جوابٌ عن سؤالٍ، كأنَّه قِيلَ: ما عمل به بعد الاستقبال؟ قال: كبَّر، وفي بعض الأصول: ”وكبَّر“ بالواو(3)، وفي أخرى: ”فكبَّر“ بالفاء (وَقَامَ النَّاسُ خَلْفَهُ، فَقَرَأَ) ◙ (وَرَكَعَ، وَرَكَعَ النَّاسُ خَلْفَهُ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، ثُمَّ رَجَعَ القَهْقَرَى) نُصِبَ على أنَّه مفعولٌ مطلقٌ، بمعنى الرُّجوع إلى خلفٍ، أي: رجع الرُّجوع الَّذي يُعرَف بذلك، وإنَّما فعل ذلك لئلَّا يولِّيَ ظهرَه القبلةَ (فَسَجَدَ عَلَى الأَرْضِ، ثُمَّ عَادَ إِلَى المِنْبَرِ، ثُمَّ قَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، ثُمَّ رَجَعَ القَهْقَرَى حَتَّى سَجَدَ بِالأَرْضِ، فَهَذَا شَأْنُهُ(4)) ولاحظ في قوله: «على الأرض» معنى الاستعلاء، وفي قوله: «بالأرض» معنى الإلصاق.
          وفي هذا الحديث: جواز ارتفاع الإمام على المأمومين، وهو مذهب الحنفيَّة والشَّافعيَّة وأحمد واللَّيث، لكن مع الكراهة، وعن مالكٍ: المنع، وإليه ذهب الأوزاعيُّ، وأنَّ العمل اليسير غير مبطلٍ للصَّلاة، قال الخطَّابيُّ: وكان المنبر ثلاث مراقٍ، فلعلَّه إنَّما قام على الثَّانية منها، فليس في نزوله وصعوده إِلَّا خطوتان، وجواز الصَّلاة على الخشب، وكرهه الحسن وابن سيرين كما رواه ابن أبي شيبة عنهما، وأنَّ ارتفاع الإمام / لغرض التَّعليم غير مكروهٍ.
          ورواته مابين بصريٍّ(5) ومكِّيٍّ ومدنيٍّ، وفيه: التَّحديث والإخبار والسُّؤال، وأخرجه المؤلِّف في «الصَّلاة» [خ¦917]، وكذا مسلمٌ وابن ماجه.
           (قَالَ) وللأَصيليِّ: ”وقال“ (أَبُو عَبْدِ اللهِ) أي: البخاريُّ: (قَالَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ) ولأبي ذَرٍّ: ”قال عليُّ بن المدينيِّ“: (سَأَلَنِي أَحْمَدُ ابْنُ حَنْبَلٍ) الإمام الجليل، الَّذي وصفه ابن رَاهُوْيَه بأنَّه حجَّةٌ بين الله وبين عباده في أرضه، المُتوفَّى ببغداد سنة إحدى وأربعين ومئتين ( ☼ عَنْ هَذَا الحَدِيثِ، قَالَ) وفي روايةٍ: ”فقال“: (فَإِنَّمَا) ولابن عساكر والأَصيليِّ: ”وإنَّما“ (أَرَدْتُ أَنَّ النَّبِيَّ صلعم كَانَ أَعْلَى مِنَ النَّاسِ، فَلَا) ولابن عساكر: ”ولا“ (بَأْسَ أَنْ يَكُونَ الإِمَامُ أَعْلَى مِنَ النَّاسِ بِهَذَا الحَدِيثِ)(6) أي: بدلالة هذا الحديث.
           (قَالَ) أي: عليُّ بن المدينيِّ (فَقُلْتُ) أي: لابن حنبل، وفي روايةٍ: ”قلت“: (إِنَّ سُفْيَانَ) وللأَصيليِّ وأبي الوقت: ”فإنَّ سفيان(7)“ (بْنَ عُيَيْنَةَ كَانَ يُسْأَلُ) بالبناء للمفعول (عَنْ هَذَا كَثِيرًا، فَلَمْ) أي: أفلم (تَسْمَعْهُ مِنْهُ؟ قَالَ: لَا) صريحٌ في أنَّ أحمد ابن حنبل لم يسمع هذا الحديث من ابن عُيَيْنة.


[1] في (م): «الطَّرفاء».
[2] «فيما قال الصَّغانيُّ»: ليس في (م) و(ج).
[3] «بالواو»: ليس في (د).
[4] في (د): «دأبه».
[5] في (د): «مصريٍّ»، وهو تحريفٌ.
[6] «الحديث»: ليس في (د).
[7] «سفيان»: ليس في (د).