الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب قول النبي: «سموا باسمي ولا تكتنوا بكنيتي»

          ░106▒ (باب: قَول النَّبيِّ صلعم: سَمُّوا بِاسْمِي وَلاَ تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي).
          قالَ العلَّامةُ القَسْطَلَّانيُّ: قوله: (لا تكْتَنُوا) بسكون الكاف وفتح الفوقيَّة وضم النُّون، ولأبي ذرٍّ عن الحَمَويِّ والمُسْتَمْلي: <ولا تَكَـْنَّـُوا>_بفتح الكاف والنُّون المشدَّدة على حذف إحدى التَّاءين أو بسكون الكاف وضمِّ النُّون_ <بكنيتي> بالياء.
          قال في «الفتح»: وللأَصيليِّ: <بكنوتي>بالواو بدل التَّحتيَّة وهي بمعناها، تقول: كَنَيْتُهُ وكَنَوْتُهُ بمعنًى، والكُنْية: ما أَوَّلُهُ أب أو أمٌّ، والاسم: ما عَرِيَ عنه، (قاله أنس...) إلى آخره، فيما سبق موصولًا في البيوع، وصنفه(1) النَّبيُّ صلعم بلفظ: (سَمُّوا باسْمِي وَلا تَكَنَّوا بِكُنْيَتِي). انتهى بزيادة مِنَ «الفتح».
          وأمَّا حديث الباب_أعني حديث جابر_ فقد تقدَّم في أبواب الخمس، وما قاله القَسْطَلَّانيُّ تقدَّم موصولًا في صفة النَّبيِّ صلعم، قاله تبعًا للحافظ، وهو زَلَّة قلم والصَّواب بدله في (باب: كنية النَّبيِّ صلعم).
          ومسألة الباب خلافيَّة شهيرة، تقدَّمت الإشارة إليها في الباب المذكور، قالَ النَّوويُّ: اختُلف في التَّكنِّي بأبي القاسم على ثلاثة مذاهب: الأوَّل: المنع مطلقًا سواء كان اسمه محمَّدًا أم لا، ثبت ذلك عن الشَّافعيِّ، والثَّاني: الجواز مطلقًا ويختصُّ [النَّهي] بحياته صلعم، والثَّالث: لا يجوز لمن اسمه محمَّد ويجوز لغيره، قالَ الرَّافعيُّ: يشبه أن يكون هذا هو الأصحُّ لأنَّ النَّاس لم يزالوا يفعلونه في جميع الأعصار مِنْ غير إنكار، وتعقَّب النَّوويُّ كلام الرَّافعيِّ هذا كما في «الفتح».
          قالَ الحافظُ: وبالمذهب الأوَّل قال الظَّاهريَّة، وبالغ بعضُهم فقال: لا يجوز لأحدٍ أن يسمِّي ابنه القاسم، لئلَّا يُكْنَى أبا القاسم(2)، وحكى الطَّبريُّ مذهبًا رابعًا وهو المنع مِنَ التَّسمية بمحمَّد مطلقًا، وكذا التَّكنِّي بأبي القاسم مطلقًا، ثمَّ ساق مِنْ طريق سالم بن أبي الجَعْد: كتب عمر: لا تُسَمُّوا أحدًا باسم نبيٍّ، واحتجَّ لصاحب هذا القول بما أخرجه عن أنس رفعه: ((يُسَمُّونَهُم محمَّدًا ثمَّ يَلْعَنُونَهُم)) وهو حديث أخرجه البزَّار وأبو يعلى أيضًا / وسنده ليِّن. وحكى غيره مذهبًا خامسًا وهو المنع مطلقًا في حياته، والتَّفصيل بعده بين مَنِ اسمُه محمَّد وأحمد فيمتنع وإلَّا فيجوز... إلى آخر ما بسط الحافظ في الدَّلائل والرِّوايات الواردة فيه، ثمَّ قالَ: وفي الجملة أعدلُ المذاهب المذهب المفصَّل المحكيُّ أخيرًا مع غرابته. انتهى كلُّه مِنَ «الفتح».
          وكتبَ الشَّيخُ قُدِّس سِرُّه في «الكوكب»: والأصحُّ أنَّ النَّهي مقيَّد بزمان حياته صلعم. انتهى.
          وفي «هامشه»: وهو مختار صاحب «الدُّرِّ المختار» إذ قال: وكان(3) اسمه محمَّدًا لا بأس بأن يُكْنى أبا القاسم لأنَّ قوله صلعم: (سَمُّوا بِاسْمِي وَلاَ تَكَنَّوا بِكُنْيَتِي) قد نُسخ، لأنَّ عليًّا كَنَى ابنه محمَّد بن الحنفيَّة: أبا القاسم. انتهى.
          وقال القاضي في «الشِّفاء»: حمل محقِّقو العلماء نهيه صلعم على مدَّة حياته وأجازوه بعد وفاته لارتفاع العلَّة، وللنَّاس فيه مذاهبُ، وما ذكرنا هو مذهبُ الجمهورِ والصَّوابُ، إن شاء الله تعالى. انتهى.
          قالَ النَّوويُّ: هذا مذهب مالكٍ. انتهى.


[1] في (المطبوع): ((وصفة)).
[2] قوله: ((لئلا يكنى أبا القاسم)) ليس في (المطبوع).
[3] في (المطبوع): ((قال: ومن كان)).