الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب ما جاء في زعموا

          ░94▒ (باب: ما جاء في زَعَمُوا)
          قالَ الحافظُ: كأنَّه يشير إلى حديث أبي قِلابة قال: ((قيل لأبي مسعود: ما سمعت رسول الله صلعم يقول في زعموا؟ قال: بئس مطيَّةُ الرَّجلِ)) أخرجه أحمد وأبو داود ورجاله ثقات إلَّا أنَّ فيه انقطاعًا، وكأنَّ البخاريَّ أشار إلى ضعف هذا الحديث بإخراجه حديث أمِّ هانئ، وفيه قولها: (زعم ابن أمِّي) فإنَّ أم هانئ أطلقت ذلك في حقِّ عليٍّ، ولم ينكر عليها النَّبيُّ صلعم، والأصل في (زعم) أنَّها تقال في الأمر الَّذِي لا يوقف على حقيقته، وقالَ ابنُ بطَّالٍ: معنى هذا الحديث أنَّ مَنْ أكثَرَ مِنَ الحديث بما لا يتحقَّق صحَّته لم يؤمَنُ عليه الكذبُ. انتهى.
          وفي «فيض الباري»: وذلك لأنَّ الإنسان إذا أراد أن يتكلَّم بأمرٍ يعلم أنَّه كذب يصدِّره بتلك الكلمة ويقول: زعم النَّاس كذلك، كأنَّه لا يحمله على نفسه ويعزوه إلى النَّاس احترازًا عن صريح الكذب والزُّور، فالمعنى أنَّ تلك الكلمة آلة لإشاعة الزُّور، كما أنَّ المطيَّة آلة لقطع السَّفر، فإذا أراد الرَّجل ألَّا يمشي على أقدامه ركب راحلته وذهب، كذلك إذا أراد إن يتكلَّم بالكذب ولا يحمله على نفسه قال: زعموا، فأجرى الكذب بين النَّاس. انتهى.
          قالَ القَسْطَلَّانيُّ وفي المثل: زعموا مطية الكذب. انتهى.
          قلت: فأشار المصنِّف بالتَّرجمة وبإيراد الحديث تحته إلى جواز استعمال هذا اللَّفظ، خلافًا لِما يتوهم مِنْ حديث أبي داود المتقدِّم، وذلك لأنَّ هذا اللَّفظ كثيرًا ما يُستعمل بمعنى القول.
          قالَ الحافظُ: قد(1) وقع في حديث ضِمَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ الماضي في كتاب العلم: (زعم رسولُك) وقد أكثر سيبويه في «كتابه» مِنْ قولِه في أشياءَ يَرتضيها: زَعَمَ الخليلُ. انتهى.


[1] في (المطبوع): ((وقد)).