الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب قول الرجل: جعلني الله فداك

          ░104▒ (باب: قول الرَّجل: جعلني الله فداك)
          أي: هل يُباح أو يُكرَه؟ وقد استَوعب الأخبارَ الدَّالَّة على الجواز أبو بكر بن أبي عاصم في أوَّل كتابه «آداب الحكماء»، وجزم بجواز ذلك فقال: للمرء أن يقول ذلك لسلطانه ولكبيره ولذوي العِلم ولمن أحبَّ مِنْ إخوانه، غيرُ محظور عليه ذلك، بل يُثاب عليه إذا قصد توقيره واستعطافه، ولو كان ذلك محظورًا لنهى النَّبيُّ صلعم قائلَ ذلك ولأعلمه أنَّ ذلك غيرُ جائز أن يقال لأحدٍ غيرِه.
          وقد ترجم أبو داود نحو هذه التَّرجمة وساق حديث أبي ذرٍّ: ((قلت للنَّبيِّ صلعم: لبَّيك وسعدَيك، جعلني الله فداك...)) الحديث، وكذا أخرجَه البخاريُّ في «الأدب المفرد» في التَّرجمة. قال الطَّبرانيُّ: في هذه الأحاديث دليل على جواز قول ذلك، وأمَّا ما رواه مبارك بن فضالة عن الحسن قال: ((دخل الزُّبير على النَّبيِّ صلعم وهو شاكٍ فقال: كيف تجدك جعلني الله فداك؟ قال: ما تركتَ أعرابيَّتك بعدُ)) ثمَّ قالَ: لا حجَّة في ذلك على المنع، لأنَّه لا يقاوم تلك الأحاديث في الصِّحَّة، وعلى تقدير ثبوت ذلك فليس فيه صريح المنع بل فيه إشارة إلى أنَّه تَرَكَ الأَولى في القول للمريض، إمَّا بالتَّأنيس والملاطفة وإمَّا بالدُّعاء والتَّوجُّع.
          قالَ الحافظُ: ويمكن أن يُعترض بأنَّه لا يلزم مِنْ تسويغ قول ذلك للنَّبيِّ صلعم أن يسوغ لغيره لأنَّ نفسه أعزُّ مِنْ أنفس القائلين وآبائهم، والجواب أنَّ الأصل عدم الخصوصيَّة. انتهى مختصرًا مِنَ «الفتح».
          وقالَ العلَّامةُ الكَرْمانيُّ بعد ذِكر حديث الباب قالَ ابنُ بطَّالٍ: فيه ردُّ قول مَنْ لم يجوِّز تفدية الرَّجل بنفسه أو بأبويه، وزعم أنَّه إنَّما فدى النَّبيُّ صلعم سعدًا بأبويه لأنَّهما كانا مشركين، فأمَّا المسلم فلا يجوز له ذلك. انتهى.