الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب صنع الطعام والتكلف للضيف

          ░86▒ (باب: صُنْع الطَّعام والتَّكلُّف للضَّيْف)
          ذكر فيه حديث أبي جُحَيفة في قصَّة سلمان وأبي الدَّرداء، وهو ظاهر فيما ترجم له. انتهى مِنَ «الفتح».
          وقالَ العينيُّ: مطابقة الحديث بالتَّرجمة في قوله: (فصنع له طعامًا). انتهى.
          وأنت خبير بأنَّ التَّرجمة / مشتملة على جزأين: صنع الطَّعام والتَّكلُّف للضَّيف.
          وكتبَ الشَّيخُ قُدِّس سِرُّه في «اللَّامع»: ولعلَّه قصد إثبات الجزء الثَّاني بقوله: (كُلْ فإنِّي صائم) فإنَّهم لمَّا كانت عادتهم الصَّومَ والتَّبذُّلَ فالظَّاهر أنَّهم لم يكونوا يصنعون طعامًا بالنَّهار، وكانوا يكتفون بطعام اللَّيل فكان صنعُ الطَّعام الجديدِ له تكلُّفًا.
          ولا يبعد أن يُستنبط التَّكلُّف مِنْ قولِه: (فأكل) فإنَّه لمَّا اعتاد الصَّوم والتزمه كان الإفطار لأجل الضَّيف احتمالًا للكُلْفة مِنْ غير شكٍّ. انتهى.
          قالَ الحافظُ: أشار المصنِّف بالتَّرجمة إلى حديث يروي عن سلمان في النَّهي عن التَّكلُّف للضَّيف ولفظه: ((نهانا رسول الله صلعم أن نتَكَلَّف للضَّيف)) أخرجه أحمد والحاكم بسندٍ ليِّن، وفيه قصَّة سلمان مع ضيفه حيث طلب منه زيادة على ما قدَّم له فرَهَن مَطْهَرَته بسبب ذلك، ثمَّ قالَ الرَّجل لمَّا فرغ: (الحمد لله الَّذِي قنَّعنا بما رَزَقنا، فقال له سلمان: لو قنعت ما كانت مطهرتي مرهونة) والجمع بينهما أنَّه يقرِّب لضيفه ما عنده ولا يتكلَّف ما ليس عنده، فإن لم يكن عنده شيء فيسوغ حينئذٍ التَّكلُّف بالطَّبخ ونحوه. انتهى.
          وقالَ القَسْطَلَّانيُّ: وقد كان سلمان إذا دخل عليه رَجل دعا بما حضر خبزًا أو ملحًا وقال: لولا أنَّا نُهِينا أن يتكلَّفَ بعضنا لتكلَّفْتُ لك. انتهى.
          وتقدَّم شيء مِنَ الكلامِ على الخلاف في التَّكلُّف للضَّيف في (باب: الرَّجل يتَكَلَّف الطَّعام لإخْوَانه) مِنْ كتابِ الأطعمة ثمَّ إنَّه يُشْكِل هاهنا في بادئ الرَّأي التَّكرار في التَّرجمة، ويمكن التَّفصِّي عنه باختلاف الكتابين بأنَّه(1) ذكره هناك لكونه مِنْ فروع الأطعمة، وذكره هاهنا لكونه مِنْ جملة الآداب، وله نظائر كثيرة في «صحيح البخاريِّ»، وأوجَهُ منه أن يُقال في الفرق بينهما نظرًا إلى حديثي البابين واختلاف ألفاظ التَّرجمتين: إنَّه أثبت في الباب الأوَّل التَّكلُّف للضَّيف المدعوِّ، وأثبت هاهنا التَّكلُّف للضَّيف الوارد غير المدعوِّ، ثمَّ إنَّ حديث الباب قد تقدَّم في كتاب الصَّوم في (باب: مَنْ أَقْسَم على أخيه ليفطر).


[1] في (المطبوع): ((لأنه)).