مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجًا}

          ░50▒ باب قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا}الآية [البقرة:234]
          فيه حديث مجاهد، وسلف في التفسير، وشبل المذكور في إسناده هو ابن عباد المكي انفرد به (خ) وابن أبي نجيح وهو عبد الله بن يسار، ثم ساق حديث زينب بنت أم سلمة عن أم حبيبة، وقد سلف.
          والنعي _بكسر العين وتشديد الياء، وبفتح النون وإسكان العين_ خبر الموت، وما ذهب إليه مجاهد غريب.
          قال والدي ⌂:
          (باب تحد المتوفى عنها).
          قوله: (الصبية) بالنصب، و(الطيب) بالرفع، وفي بعضها بالعكس اختلف في الصغيرة / التي مات زوجها. فقال أبو حنيفة: لا إحداد عليها، وقال الأئمة الثلاثة: عليها الإحداد يأمرها به من يتولاها، و(عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم) بفتح المهملة وإسكان الزاي الأنصاري، و(حميد) بضم المهملة، ابن نافع المدني، و(زينب بنت أبي سلمة) بفتحتين، والأحاديث الثلاثة هي حديث أم حبيبة بفتح الحاء، رملة بنت أبي سفيان صخر _بفتح المهملة وإسكان المعجمة_ ابن حرب ضد الصلح الأموي، و(الخلوق) بفتح المعجمة طيب مخلوط، و(العارضان) جانبا الوجه فوق الذقن إلى ما دون الأذن، وإنما فعلت هذا لتدفع صورة الإحداد.
          و(تحد) من الإحداد، وبضم الحاء وكسرها من الحداد وهو من الحد بمعنى المنع؛ لأنها تمنع الزينة، ويقال: امرأة حاد ومحد بدون تاء التأنيث، وهو اصطلاحاً ترك المرأة الزينة كلها من اللباس والطيب في العدة؛ لأنها داعية إلى الزواج فنهيت عن ذلك قطعاً للذرائع ولا يحل نفي بمعنى النهي.
          و(أربعة أشهر) منصوب بمقدر نحو أعني أو متحد مضمراً، والجمهور أن الذمية يجب عليها الإحداد، وذكر الإيمان في الحديث بسبب أن المؤمن هو الذي ينتفع بخطاب الشارع وينقاد له، وقال أبو حنيفة: لا يجب عليها، والحكمة في وجوب الإحداد في عدة الوفاة دون الطلاق أن الزينة تدعو إلى النكاح فنهيت عنها زجراً؛ لأن الميت لا يتمكن من منع معتدته بخلاف المطلق فإنه يستغنى بوجوده عن زاجر آخر، وأما توقيت أربعة أشهر فلأن ظهور الولد يكون فيها إذ هو أربعون يوماً نطفة [وأربعون علقة] وأربعون مضغة وبعد ذلك ينفخ فيه الروح ويتحرك في البطن وزيادة العشر للاحتياط.
          قوله: (بنت جحش) بفتح الجيم وإسكان المهملة وبإعجام الشين، و(أم سلمة) بفتحتين هند المخزومية، و(عينها) بالرفع، و(تكحلها) بضم الحاء، و(الحفش) بكسر المهملة وتسكين الفاء وبالمعجمة، بيت صغير ضيق لا يكاد يتسع للتقلب، و(الدابة) ما يدب على الأرض إلا الخيل والبغل والحمار بخصوصها.
          الخطابي: (تفتض) بالفاء والمعجمة من فضضت الشيء إذا كسرته أو فرقته؛ أي: أنها كانت تكسر ما كانت فيه من الحداد بتلك الدابة.
          وقال الأخفش: معناه تتنظف به وهو مأخوذ من الفضة تشبيهاً لها بنقائها وبياضها قال: ومعنى الرمي بالبعرة أن حداد السنة في جنب ذمام الزوج بمنزلة البعرة، وقيل: إنما يفعلن ذلك ليرين أن مقامهن سنة كان أهون من رمي بعرة.
          وقال ابن قتيبة: سألت الحجازيين عن معنى الافتضاض فذكروا أن المعتدة كانت لا تغتسل ولا تمس ماء، ولا تقلم ظفراً سنة، ثم تفتض أي: تكسر ما فيه من العدة بطائر تمسح به قبلها وتنبذه فلا يكاد يعيش ما تفتض به، وقيل: ثم ترمي بالبعرة معناها أنها رمت بالبعرة وخرجت منها كانفصالها من هذه البعرة، والغرض من هذا الكلام أنك لا تستكثري العدة الإسلامية ومنع الاكتحال فيها فإنها مدة قليلة بالنسبة إلى ما كانت في الجاهلية.
          قوله: (الكحل للحادة) قال الجوهري: يقال هي حاد بدون التاء، وفرق الزمخشري بين المرضع والمرضعة بأن المرضعة هي التي في حال الإرضاع(1)، والمرضع التي شأنها أن ترضع.
          قوله: (أحلاسها) جمع: الحلس، وهو كساء رقيق يكون تحت البردعة.
          قوله: (كلب) هو مشعر بأن المراد بالدابة في الحديث السابق معناه اللغوي ليتناول الكلب أيضاً، فتتطابق الروايتان لا الاصطلاحي، وكأنهن بعد الحول كن قاصدات لقطع آثار الإحداد بالتعرض لنوع من الحيوان، ويحتمل أن تكون التاء في تفتض به للتعدية أو زائدة بمعنى تفتض الطائر بأن تكسر بعض أعضائه، ولعل غرضهن منه الإشعار بإهلاك ما هن فيه ومن الرمي الانفصال منه بالكلية.
          قوله: (فلا) أي: فلا تكتحل، قيل: هذا النهي ليس على وجه التحريم ولئن / سلمنا أنه للتحريم فإذا كانت الضرورة فإن دين الله يسر يعني الحرمة تثبت إلا عند شدة الضرر والضرورة أو معناه لا تكتحل بحيث يكون فيه زينة.
          قوله: (بشر) بالموحدة المكسورة، ابن المفضل بفتح المعجمة الشديدة، و(سلمة) بفتح اللام ابن علقمة _بفتح المهملة والقاف_ التميمي، و(أم عطية) بفتح المهملة الأولى وكسر الثانية، اسمها نسيبة مصغر النسبة بالنون والمهملة والموحدة، الأنصارية.
          قوله: (القسط) بضم القاف، عود يتبخر به وقد تبدل القاف بالكاف والطاء بالتاء مثل القافور والكافور، و(حصة) بالمهملتين بنت سيرين، و(العصب) بفتح المهملة الأولى وسكون الثانية برود اليمن يعصب غزلها ثم يصبغ ثم ينسج، و(النبذة) بضم النون وفتحها اليسير من الشيء، و(ظفار) بفتح المعجمة وخفة الفاء موضع بساحل عدن، وفي بعضها: ((أظفار)) وهو شيء من الطيب.
          قال الصغاني: في النسخ: ((أظفار)) وصوابه ظفار، قال التيمي: روي بلفظ أظفار والصواب ظفار. قال النووي: القسط والأظفار نوعان معروفان من البخور، وليس من مقصود الطيب، ورخص فيها لإزالة الرائحة لا للتطيب، مر الحديث في الحيض.
          قوله: (الفضل) بسكون المعجمة، ابن دكين مصغر الدكن بالمهملة، و(عبد السلام) ابن حرب ضد الصلح، و(هشام) ابن حسان القردوسي بضم القاف والمهملة وإسكان الراء بينهما وبإهمال السين، و(الأنصاري) هو محمد بن عبد الله بن المثنى ضد المفرد، ابن عبد الله بن أنس بن مالك.
          قوله: (ولا تمس) أي: قال ولا تمس طيباً إلا أدنى طهرها؛ أي: إلا في أول طهرها، وفي بعضها: ((أي أدنى مكان إلا أدنى)) والأدنى هو بمعنى الأول.
          و(نبذة) منصوب بفعل مقدر؛ أي: تمس نبذة أو بدل عن طيباً، وفي بعضها وقع لفظ قسط وأظفار واو العطف.
          قوله: (محمد بن كثير) ضد القليل، و(حميد) بضم المهملة مر مع الحديث آنفاً، و(زينب بنت أبي سلمة) في بعضها: ((بنت أم سلمة)) وهما واحد، و(نعي) بسكون المهملة أو بكسرها وشدة التحتانية، و(روح) بفتح الراء وبالمهملة، ابن عبادة _بضم المهملة وتخفيف الموحدة_ القيسي، و(شبل) بكسر المعجمة، ابن عباد _بفتح المهملة وتشديد الموحدة_ المكي، و(عبد الله بن أبي نجيح) بفتح النون وكسر الجيم وبالحاء المهملة آخراً.
          قوله: (واجباً) فإن قلت: القياس أن يقول واجبة؟ قلت: ذكر إما باعتبار الاعتداد، وإما بأن [يكون] صفة لمقدر؛ أي: أمراً واجباً، وإما بأن يجعل الواجب اسماً لما يذم تاركه، ويقطع النظر عن الوصفية.
          فإن قلت: في بعضها واجب بالرفع فما وجهه؟ قلت: خبر مبتدأ محذوف أو يقدر في لفظ كانت ضمير القصة، أو كانت تامة وتعتد مبتدأ كقولهم: تسمع بالمعيدي.
          قوله: (زعم) أي: قال مجاهد: العدة الواجبة أربعة أشهر وعشر، وتمام السنة باختيارها بحسب الوصية فإن شاءت قبلت الوصية وتعتد إلى الحول، وإن شاءت اكتفت بالواجب، ويحتمل أن يكون معناه العدة إلى تمام السنة واجبة، وأما السكون عند أهل زوجها وفي الأربعة والعشر واجب، وفي التمام باختيارها، ولفظ فالعدة كما هي واجبة عليها يؤيد هذا الاحتمال، وحاصله أنه لا يقول بالنسخ.
          وقال عطاء: آية الخروج نسخت وجوب الاعتداد عند أهل زوجها، ثم نسخ آية الميراث السكنى عند أهله فليس لها ذلك.
          الزركشي:
          (أن تحد) بضم أوله وكسر ثانيه رباعي، ويجوز فتح أوله وضم ثانيه، يقال: أحدت المرأة على زوجها تحد فهي محد، وحدت تحد فهي حاد إذا حزنت عليه ولبست ثياب الحزن، وأنكر الأصمعي الثلاثي، وجوز الخطابي فيه الجيم.
          (قد اشتكت عينها) يجوز ضم النون على أنها هي المشتكية، وفتحها، ويكون في اشتكت ضمير الفاعل وهي المرأة الحادة، وقد رجح الأول بما وقع في رواية عيناها.
          (أفتكحلها) بضم الحاء.
          (البعرة) / بفتح العين وإسكانها.
          (الحفش) بكسر المهملة وسكون الفاء بعدها شين معجمة، قال مالك: البيت الصغير، قال الشافعي: البيت الصغير الركيد من الشعر، والبناء، ومراده بالركيد الذي يكون السكون فيه؛ أي: الركود.
          (فتفتض به) بفتح ثالث الحروف وسكون الفاء ثم مثناة وآخره ضاد معجمة، هذا هو المشهور، تفتعل من الفض؛ أي: تكسر ما هي فيه من العدة بطائر تمسح به قبلها، وتنبذه فلا يكاد يعيش.
          وقيل: تتطهر به مأخوذ من الفضة لنقائها.
          قال الأزهري: ورواه الشافعي عن مالك بالقاف ثم الموحدة والصاد المهملة؛ أي: تمسك الطائر بأطراف أصابعها، ومنه قراءة الحسن: ‹▬فقبصت قبصةً↨، وأما القبض بالمعجمة فبالكف كلها. قال الأصبهاني وابن الأثير: معناه الإسراع؛ أي: تذهب بعدو وسرعة عند ذلك إلى منزل أبويها لكثرة حيائها إما لقبح منظرها، وإما أنها طالبة للنكاح بسبب انقضاء عدتها، والباء هنا للسببية، والمشهور الأول.
          قوله: (الكحل للحادة) قال السفاقسي: صوابه الحاد؛ لأنه نعت للمؤنث كطالق وحائض.
          قلت: يتخرج على لغة ضعيفة.
          قوله: (من كست أظفار) بضم الكاف، شيء يتبخر به، وقيل: وهم (خ) في هذه الإضافة فإن الأظفار جنس من الطيب، ولا يضاف أحدهما إلى الآخر، والرواية الثانية: ((من قسط وأظفار)) وهي الصواب، وعند بعضهم: ((قسط ظفار)) وهذا له وجه، وظفار مدينة باليمن ينسب إليها القسط.
          انتهى كلام الزركشي.
          أقول:
          أحدت المرأة فهي محد، وحدت أيضاً إذا تسلبت وامتنعت من الزينة، والتسلب لبس ثوب الحداد، يقال لذلك الثوب السلاب، وهو جمع سلب.
          و(العصب) برود اليمن يعصب غزلها؛ أي: يجمع ويشد ثم يصبغ وينسج فيأتي موشباً لبقاء ما عصب منه أبيض لم يأخذه صبغ يقال: برد عصب، وبرود عصب بالتنوين والإضافة، وقيل: بل برود مخططة، والعصب الفتل، والعصاب الغزال فيكون النهي للمعتدة عما صبغ بعد النسج.


[1] في هامش المخطوط: ((أقول: هذا الغلام يتجه في المرضع والمرضعة لأن لها حالتان، حالة إلقام الثدي الطفل، والحالة التي لا تلقمه، وأما الحادة ليس لها حالتان فتأمله)).