مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب خيار الأمة تحت العبد

          ░15▒ باب خيار الأمة تحت العبد
          فيه حديث ابن عباس قال: رأيت عبداً، يعني: زوج بريرة. ثم رواه وقال: ذاك مغيث عبد بني فلان _يعني: زوج بريرة_.
          وقام الإجماع على أن الأمة إذا عتقت تحت عبد أن لها الخيار في البقاء معه أو مفارقته، ومعناه: أنه لما كان العبد في حرمته وحدوده وجميع أحكامه غير مكافئ للحرة، وجب أن تخير تحته إذا حدثت لها الحرية في عصمته. وأيضاً فإنها حين وقعت العقدة عليها لم تكن من أهل الاختيار لنفسها، فجعل لها ذلك حين صارت أكمل حرية من زوجها.
          قال المهلب: وأصل هذا في كتاب الله تعالى، وهو قوله تعالى: {وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً}الآية [النساء:25] فكان اشتراط الله تعالى في جواز نكاح الأحرار الإماء عدم الطول إلى الحرة، وجبت مثله في العبد أن لا يتطاول إلى حرة بعد أن وجدت السبيل إلى حر إلا برضاها.
          واختلف في وقت خيار الأمة إذا عتقت، فروي عن ابن عمر وأخته حفصة وسليمان بن يسار ونافع والزهري وقتادة وأبي قلابة أن لها الخيار ما لم يمسها زوجها، وهو قول مالك وأحمد، علمت أم لم تعلم. وقالت طائفة: لها الخيار وإن أصيبت ما لم تعلم، فإذا علمت ثم أصابها فلا خيار لها. وهو قول عطاء والحكم وسعيد بن المسيب، وهو قول الثوري.
          وقال الشافعي: إن ادعت الجهالة لها الخيار، وهو أحب إلينا.
          وفي هذا الحديث ما يبطل أن يكون خيارها في المجلس؛ لأن مشيها في المدينة لم يبطل خيارها. وقد روى قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس أنه قال: والله لكأني أنظر إلى زوج بريرة في طرق المدينة، وإن دموعه لتنحدر على لحيته، يتبعها برضاها لتختاره، فلم تفعل، ومثل هذا في حديث زبراء أنها كانت تحت عبد فعتقت، فسألت حفصة أم المؤمنين فقالت: إن أمرك بيدك ما لم يمسك زوجك. فقالت: هو الطلاق ثلاثاً ففارقته. رواه مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير.
          وفي الحديث / حجة لمن قال: لا خيار للأمة إذا عتقت تحت الحر؛ لأن خيارها إنما وقع من أجل كونه عبداً، وقد روى أهل العراق عن الأسود، عن عائشة أن زوج بريرة كان حراً.
          واختلف العلماء فيما إذا عتقت الأمة تحت الحر، فروي عن ابن عباس وابن عمر أنه لا خيار لها، وهو قول عطاء وسعيد بن المسيب وحماد والحكم وداود والحسن وابن أبي ليلى، وبه قال مالك والأوزاعي والليث والشافعي وأحمد وإسحاق. وقالت طائفة: لها الخيار حرًّا كان زوجها أو عبداً، روي ذلك عن الشعبي والنخعي وابن سيرين، وهو قول الثوري والكوفيين وأبي ثور، وأما رواية الأسود عن عائشة فقد عارضها من هو ألصق بعائشة وأقعد بها من الأسود، وهو القاسم بن محمد وعروة بن الزبير، فرويا عنها أنه كان عبداً.
          والأسود كوفي سمع منها من وراء حجاب، وعروة والقاسم كانا يسمعان منها بغير حجاب؛ لأنها خالة عروة وعمة القاسم، قال ابن المنذر: ورواية اثنين أولى من رواية واحد مع رواية ابن عباس من الطرق الثابتة أنه كان عبداً. قال: وقال الحسن وقتادة: إذا اختارت نفسها فهي طلقة بائنة، وقال عطاء: واحدة، وقال إبراهيم وحماد والشافعي وأحمد وإسحاق: لا يكون طلاقاً.