مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب التلاعن في المسجد

          ░30▒ باب التلاعن في المسجد
          فيه حديث سهل بن سعد أخي بني ساعدة أن رجلاً من الأنصار... الحديث.
          فيه: ما ترجم له أن سنة اللعان أن يكون في المسجد كما سلف في الحديث قبله.
          وفيه: دلالة على أنه ينبغي لكل حاكم من حكام المسلمين أن يستخلف كل من أراد استخلافه على عظيم من الأمر كالقسامة على الدم، وعلى المال ذي القدر، والخطر العظيم، ونحو ذلك في المساجد العظام، وإن كانا بالمدينة فعند منبرها، وإن كانا بمكة فبين الركن والمقام، وإن كانا ببيت المقدس ففي مسجدها ثم في موضع الصخرة، وإن كانا ببلد غيرها ففي جامعها.
          وإنما أمرهما ◙ باللعان في مسجده لعلمه أنهما يعظمانه، فأراد التعظيم عليهما ليرجع المبطل منهما إلى الحق، وينحجز عن الأيمان الكاذبة، وكذلك كان أيضاً لعانهما بعد العصر لعظم اليمين الكاذبة في ذلك الوقت.
          قوله: (وكانت حاملاً) ظاهر في اللعان عليه، وقد سلف.
          قوله: (إن جاءت به أحمر)... إلى آخره. فيه المنع من الحكم على عباده بالظنون والتهم، وأنه / جعل الأحكام بينهم على ما ظهر دون ما بطن، وأنه وكل الحكم في سرائرهم وما خفي من أمورهم إليه دون سائر خلقه، وأنه لو كان لأحد من ذي سلطان أو غيره أخذ أحد بغير الظاهر لكان أولى الناس بذلك سيد الأمة، لعلمه بكثير من سرائرهم، ولكنه كان لا يأخذ أحداً إلا بما ظهر من أمره وتبين للناس منه، وكذلك كان يقبل ظاهر ما يبديه المنافقون ولا يأخذهم بما يبطنون مع علمه بكذبهم، وكان يجعل لهم بظاهر ما يظهرونه من الإقرار بتصديقه والإيمان بما جاء به من عند الله وحكم الله في المناكحة والميراث والصلاة عليهم إذا ماتوا وغير ذلك من الأمور، فكذلك الواجب على كل ذي سلطان أن يعمل في رعيته مثل الذي عمل به الشارع فيمن وصف ممن كان يظهر قولاً وفعلاً من أخذه بما يظهر من القول والعمل، دون أخذه بالظنون والتهم التي يجوز أن تكون حقًّا، ويجوز أن تكون باطلاً.
          وفيه: _كما قال المهلب_ أن الحاكم إذا حكم بالسنة المخصوصة ثم تبين له بدليل غير ما ظهر إليه فيما حكم به أنه لا يرد ما حكم فيه إلا بالنص، لا بما قام له من الدليل(1)، ألا تراه بعد أن جاءت على النعت المكروه لم يحدها، وكذلك قام له الدليل في ابن وليدة زمعة، فلم يقض به لسعد بن أبي وقاص ولكن أمر سودة بالاحتجاب منه، فحكم للشبه في عين الحكم المنصوص، ولم يعرض لحكم الله بفسخ من أجل الدليل.
          وفيه أيضاً: أن من اقتطع شيئاً من الحقوق بيمين كاذبة أن الله يلعنه ويغضب عليه، كما جاء في الحديث، ألا ترى أنه قام الدليل على كذب المرأة بعد يمينها بوضعها الصفة المكروهة، فكان ذلك هتك سترها في الدنيا، وفضحها بين قومها التي منها فرت، وهذا من العقوبات في الدنيا، فكيف في الآخرة؟(2).
          قوله: (وحرة) سلف أنها دويبة حمراء كالعضاة، قال ابن فارس: هي دابة إذا دبت على اللحم وحر؛ أي: فسد، ومنه قيل: وحر الصدر يوحر وحراً، ذهبوا إلى لزوم الحقد بالصدر فشبهوه بإلزاق الوحرة بالأرض.
          وأحمر؛ أي: شديد الشقرة، والألية بفتح الهمزة: العجز.


[1] في هامش المخطوط: ((أقول: فإن قلت: قصة القائف يضاد، وهذه القضية فإن الحكم بها حكم بالشبه، وهنا مع وجود الشبه لم يحكم به. قلت: تبنى الشريعة المطهرة على ستر الأمة ففي القائف: الستر يحصل بالحكم بالشبه، وفي اللعان بالعكس فتأمله)).
[2] في هامش المخطوط: ((أقول: فإن قلت: قولها لا أفصح هو في سائر اليوم دليل على فعلها ذلك، فكيف لم يؤاخذ به وحلفت؟ قلت: لم يكن هذا قولاً صريحاً في ذلك فلذلك لم يؤاخذ بها)).