مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب: إذا قال: فارقتك، أو سرحتك

          ░6▒ باب إذا قال: فارقتك أو سرحتك أو الخلية... إلى آخره
          وقالت عائشة:... إلى آخره.
          هذا التعليق تقدم عنده مسنداً، واختلف قول مالك فيمن قال لامرأته: قد فارقتك، أو سرحتك، أو خليت سبيلك. فروى عيسى عن ابن القاسم أنها كلها ثلاث في التي بني بها، إلا أن ينوي أقل فله نيته ويحلف، وفي التي لم يبن بها حتى ينوي أقل.
          وقال أبو يوسف في قوله: فارقتك، أو خلعتك، أو خليت سبيلك، أو لا ملك لي عليك: إنها ثلاثاً ثلاثاً.
          واختلف في الخلية والبرية والبائن، فروي عن علي أنها ثلاث، وبه قال الحسن / البصري، وروي عن ابن عمر في الخلية والبرية والبائن: ثلاث في المدخول بها. وقال مالك أيضاً كذلك، ويدين في التي لم يدخل بها: تطليقة واحدة أراد أم ثلاثاً؟ فإن قال: واحدة كان خاطباً في الخطاب، وقاله ربيعة.
          وقال الثوري وأبو حنيفة: نيته في ذلك، فإن نوى ثلاثاً فثلاث، أو واحدة فواحدة بائنة، وهي أحق بنفسها، وإن نوى ثنتين فهي واحدة.
          وقال الشافعي: هو في ذلك كله غير مطلق حتى يقول: أردت بمخرج الكلام مني طلاقاً فيكون ما نواه، فإن نوى دون الثلاث كان رجعيًّا، ولو طلقها واحدة بائنة كانت رجعية.
          وقال إسحاق: هو إلى نيته يدين. وقال أبو ثور: هي تطليقة رجعية، ولا يسأل عن نيته في ذلك، ويشبه كما قال ابن بطال: أن يكون (خ) أشار إلى قول الكوفيين والشافعي وإسحاق في قوله: أو ما عني به الطلاق فهو على نيته.
          قوله: (برئت مني، أو برئت منك) هو من البرية، وكان بعض أصحاب مالك يرى المباراة من البرية، ويجعلها ثلاثاً.
          وقول عائشة السالف فيه حجة لمن قال: إنه إذا خير الرجل امرأته أو ملكها، أن لها أن تقضي في ذلك وإن افترقا في مجلسهما. روي هذا عن الحسن والزهري، وقاله مالك. وروي عن مالك أيضاً أن لها أن تقضي ما لم يوقعها السلطان، وكان قول مالك الأول أن اختيارها على المجلس، وهو اختيار ابن القاسم، وهو قول الكوفيين والثوري والأوزاعي والليث والشافعي وأبي ثور.
          قال أبو عبيد: والذي عندنا في هذا اتباع السنة في عائشة في هذا الحديث، حين جعل لها التأخير إلى أن تستأمر أبويها، ولم يجعل قيامها من مجلسها خروجاً من الأمر. وقال المروزي: هذا أصح الأقاويل عندي، وقاله ابن المنذر والطحاوي، وبهذا نقول؛ لأنه ◙ قد جعل لها الخيار في المجلس وبعده، حتى تستأمر أبويها، ولم يقل: فلا تستعجلي حتى تستأمري أبويك في مجلسك.
          والصريح لا حاجة فيه إلى النية، وهو ثلاثة: الطلاق، والسراح، والفراق.
          وعند المالكية تنقسم الكناية إلى ظاهرة ومحتملة، فالظاهرة: ما جرى العرف بأن يطلق بها في اللغة والشرع، مثل: أنت خلية وبرية، وبائن، وبتلة، وهذه الألفاظ في المدخول بها ثلاث، ولا تسأل منه إن لم يرد الطلاق، ولا أنه أراد دون الثلاث، هذا قول القاضي في ((معونته)).
          وقال ابن القصار: هذه الألفاظ من صريح الطلاق، غير أن بعضها آكد من بعض، وأما المحتملة: كقوله: اذهبي، وانصرفي، واخرجي. فهذا يقبل منه ما يدعي أنه أراد، من طلاق وغيره، من قليل العدد وكثيره.
          وضرب ثالث: وهو ما ليس من ألفاظ الطلاق كاسقني وشبهه، فإن أراد به الطلاق، فقيل: يكون طلاقاً. وقيل: لا. وخالف الشافعي في الكنايات الظاهرة إذا قال: لم أرد بها الطلاق، أو أردت دون الثلاث. فقال: يقبل قوله في دينك.