مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب من طلق وهل يواجه الرجل امرأته بالطلاق؟

          ░3▒ باب من طلق، وهل يواجه الرجل امرأته بالطلاق؟
          فيه أحاديث:
          1- حديث الأوزاعي: سألت الزهري أي أزواج النبي صلعم استعاذت... الحديث. وأخرجه (م) أيضاً و(ق).
          قال أبو عبد الله: رواه حجاج بن أبي منيع، عن جده، عن الزهري، عن عروة: أخبرته أن عائشة قالت. هذا التعليق أخرجه الفسوي يعقوب بن سفيان في ((مشيخته)) عن حجاج به، وليس فيه ذكر للجونية، إنما فيه أنها كلابية، فقال: ثنا حجاج بن أبي منيع، [عن] عبيد الله بن أبي زياد بحلب، ثنا جدي، عن الزهري قال: تزوج رسول الله صلعم العالية بنت ظبيان بن عمرو من بني أبي بكر بن كلاب، فدخل بها، فطلقها.
          وروى الزبير في ((فكاهته)) بسنده عن عبد الله بن حسن بن حسن قال: أتى الضحاك بن سفيان إلى رسول الله فبايعه، ثم قال: عندي امرأتان أحسن من هذه الحميراء أفلا أنزل لك عن إحداهما، وعائشة جالسة تسمع قبل أن يضرب الحجاب، فقالت له: أهي أحسن أو أنت؟ قال: بل أنا أحسن منهما وأكرم، وكان امرأ دميماً قبيحاً، قال: فضحك رسول الله من مساءلة عائشة إياه.
          وذكر ابن عبد البر العالية هذه، وأنه ◙ تزوجها، فكانت عنده ما شاء الله، ثم طلقها، وأما أبو نعيم الحافظ يقال: أنه لم يدخل بها، وقيل: إنها التي رأى بها البياض، وقال الزهري: طلقها، وتزوجها ابن عم لها قبل تحريم نسائه على الناس.
          وفي ((الطب)) لأبي نعيم من حديث ابن عمر: أنه ◙ تزوج امرأة من غفار، فلما دخلت عليه رأى بكشحها بياضاً، فردها إلى أهلها، وقال: ((دلستم علي)). فتحصلنا على عدة أقوال فيها.
          2- حدثنا أبو نعيم بسنده عن حمزة بن أبي أسيد _بضم الهمزة_ عن أبي أسيد كذلك، واسمه مالك بن ربيعة بن البدن قال: ((خرجنا مع النبي صلعم...)) الحديث.
          وقال عبد الرحمن: وقال الحسين بن الوليد، عن عبد الرحمن، عن عباس، عن عائشة: أن عمرة بنت الجون... الحديث.
          وفي رواية: ((أن عمرة بنت الجون تعوذت من رسول الله حين أدخلت عليه فطلقها، وأمر أسامة وأنساً فمتعاها بثلاثة أثواب رازقية)).
          وهذا التعليق رواه (ق).
          3- حديث ابن عمر السالف في طلاقه زوجته وهي حائض، وفيه: عن أبي غلاب يونس بن جبير قلت لابن عمر: رجل طلق امرأته... الحديث.
          ويونس هذا باهلي، بصري، أحد بني معن بن مالك بن أعصر بن سعد بن قيس، تابعي، ثقة صلى [عليه] أنس بن مالك بوصايته، وليس للبخاري عنده غيره، ومات بعد الثمانين فيما أفاده أبو أحمد الحاكم، وأهمله ((التهذيب))، وأما ما ترجم له من المواجهة بالطلاق فهو موجود في حديث عائشة دون حديث أبي أسيد وابن عمر صريحاً، ولا شك في جواز ذلك، لكن تركه أولى؛ لأنه أرفق وألطف، وليس من مراعاة حقوق الزوجية من المودة والرحمة، فإن الله لما خلق حواء من ضلع آدم جعل بينهما المودة والرحمة.
          وابنة الجون: هي أسماء بنت كعب الجونية، رواه يونس عن ابن إسحاق. قال ابن عبد البر: أجمعوا على أنه تزوج أسماء بنت النعمان بن أبي الجون بن شراحيل. وقيل: أسماء بنت الأسود / بن الحارث بن النعمان، الكندية، واختلف في فراقها، فقيل: لما دخلت عليه دعاها فقالت: تعال أنت، وأبت أن تجيء، وزعم بعضهم أنها استعاذت منه، فطلقها. وقيل: بل كان بها وضح كوضح العامرية، ففعل بها كفعله بها.
          قال: والمستعيذة امرأة من بلعنبر من بني ذات الشقوق، كانت جميلة، فخاف نساؤه أن تغلبهن عليه، فقلن لها: إنه يعجبه أن تقولي: أعوذ بالله منك، وقيل: إنهن قلن لها تحظين عنده بذلك.
          وقال أبو عبيدة: كلتاهما تعوذتا. وقال ابن عقيل: نكح ◙ امرأة من كندة _وهي الشقية_ فسألته أن يردها إلى أهلها، فردها مع أبي أسيد.
          قال أبو عمر: والاختلاف فيها وفي صواحباتها اللاتي لم يدخل بهن عظيم.
          والرازقي: براء ثم ألف ثم زاي ثم قاف، ثياب من كتان بيض طوال، قاله أبو عبيد، وقال غيره: داخل بياضها زرقة. والرازقي: الضعيف.
          والسوقة من الناس: الرعية، ومن دون الملك يسوقهم فيساقون له ويصرفهم على مراده، يقال للواحد منهم وللاثنين: سوقة، وربما جمع سوقا، وأما أهل السوق فالواحد منهم والاثنين سوقة، وربما جمع سيوق، والواحد منهم سوقي.
          والأجم _بضم الهمزة والجيم_ الحصن، وجمعه: آجام بالمد، كعنق وأعناق. قال أبو عبيد: وكذلك الأطم.
          وأمره ◙ بكسوتها هي المتعة التي أمر الله بها للمطلقة غير المدخول بها، وكذا لها على الأظهر عندنا، وستعلم بعد مذاهب العلماء فيها، نبه عليه المهلب.
          قال ابن التين: ويحتمل أن يكون عقد نكاحها تعويضاً، فيكون لها المتعة أو يكون سمى لها صداقاً يتفضل عليها بذلك، ومن عادته ◙ إذا ترك شيئاً لم يعد فيه، فلما استعاذت منه مع سابق قوله: ((من استعاذكم بالله فأعيذوه))، تركها ولم يعد إليها.
          وأما ابن المرابط فقال: كان بعض أهلها أعلم رسول الله بشأنها، ونزاهة نفسها، ورفع همتها، فأراد الوقوف على ذلك قبل العقد عليها باختبارها، وأمره لها بالكسوة؛ تفضلاً منه عليها؛ لأن ذلك لم يكن لازماً له؛ لأنها لم تكن زوجة، وعليه بوب (ن).
          قوله للرجل: (أتعرف ابن عمر؟) وهو يخاطب، إنما هو تقرير على أصل السنة، وعلى ناقلها؛ لأنه لازم للعامة الاقتداء بمشاهير أهل العلم، فقرره على ما يلزمه من ذلك، لا أنه ظن أنه يجهده، قد قال مثل هذا لرجل سأله عن أم الولد، فقال: أتعرف أبا حفص أو عمر؟ يريد أباه ولا خفاء به، ثم أخبره بقضيته في أم الولد إلزاماً له حكمه فيها بإمامته في الإسلام، على أن السائل كان [يجهل] عمر.
          واختلف في: الحقي بأهلك، وحبلك على غاربك ونحوها من كنايات الطلاق، كما قال ابن المنذر، فقالت طائفة ينوي في ذلك، فإن نوى الطلاق وقع، وإلا فلا شيء عليه.
          كما قال ابن المنذر: هذا قول الثوري وأبي حنيفة، قالا: إن نوى واحدة أو ثلاثاً فهي ما نوى، وإن نوى ثنتين فهي واحدة؛ لأنها كلمة واحدة ولا تقع عن اثنتين، وكذلك كل كلام يشبه الفرقة مما أراد به الطلاق فهو مثل ذلك، كقوله: قد خليت سبيلك، ولا ملك لي عليك.
          وهذا الحديث كما قال الطحاوي أصل في الكنايات عن الطلاق؛ لأنه ◙ قال لابنة الجون حين طلقها: ((الحقي بأهلك))، وقد قال كعب بن مالك لامرأته: الحقي بأهلك، حين أمره الشارع باعتزالها، فلم يكن ذلك طلاقاً، فدل خبر كعب على أن هذه اللفظة مفتقرة إلى النية، وأن من قال ذلك لامرأته نوى، فإن لم ينو فلا شيء عليه، وهذا قول مالك والكوفيين والشافعي.
          وأما الألفاظ التي لا يكنى بها عن الطلاق، فأكثر العلماء لا يوقعون بها طلاقاً وإن قصده القائل. وقال مالك: كل من أراد الطلاق بأي لفظ كان لزمه حتى يقول: كلي، واشربي، وقومي، واقعدي، ونحوه.
          ومعنى: أعوذ: ألتجئ. قالت ذلك؛ لأنها لم تعرفه ولا عرفت ما يراد منها.
          قوله: (قد أعذتك) فيما أوردناه جواب لقولها على وجه الموافقة لقصدها؛ لأنه فهم منها الكراهية، وكأنها لم تعجبه أيضاً خَلقاً وخُلقاً.
          قوله: (أعذتك) أي: تركتك(1).
          قوله: (منكسة) يقال: نكس رأسه _بالتخفيف_ فهو ناكس، ونكَّس _بالتشديد_ فهو منكس، إذا طأطأه.
          وفيه: جواز نظر الخاطب إلى من يريد نكاحها / .
          قال والدي ⌂:
          (كتاب الطلاق) وهو رفع حل الوطء الثابت بالنكاح بلفظ الطلاق وما في معناه.
          قوله: (طلاق السنة) أي: الطلاق السني أن يطلقها حالة طهارتها عن الحيض، ولا تكون موطوءة في ذلك الطهر، وأن يشهد شاهدين على الطلاق، فمفهومه أنه إن طلقها في الحيض أو طهر وطئها فيه أو لم يشهد يكون طلاقاً بدعياً.
          قوله: (أحصينا) من الإحصاء وهو الحفظ و(أحصوا) أي: احفظوا عددها.
          قوله: (هي حائض) فإن قلت: أين المطابقة بين المبتدأ والخبر؟ قلت: التاء للفرق بين المذكر والمؤنث، فإذا كانت الصفة خاصة بالنساء فلا حاجة إليها.
          و(يمس) أي: يطأ و(أمر الله) أي: بقوله: ((فطلقوهن لعدتهن)) واللام بمعنى في.
          الخطابي: فيه أن الأقراء التي تعتد بها المطلقة هي الأطهار؛ لأنه ذكر فتلك العدة بعد الطهر، ومعنى الآية: فطلقوهن في وقت عدتهن، وإن الطلاق في الحيض واقع ولولا ذلك لم يؤمر بالمراجعة، قال: وأما اشتراطه معنى الطهر الأول والتربص بها الطهر الثاني فلتحقق معنى المراجعة بوقوع الجماع؛ لأنه إذا كان جامعها في ذلك الطهر لم يكن طلاقاً للسنة فيحتاج أن يتربص الطهر الثاني بعد الحيض ليصح فيه إيقاع الطلاق السني.
          النووي: فائدة التأخير إلى الطهر الثاني أن لا تكون الرجعة لغرض الطلاق فقط، وأن تكون كالتوبة من المعصية باستدراك جنايته، وأن يطول مقامه معها، فلعله يجامعها فيذهب ما في نفسها من سبب الطلاق فيمسكها، وقال أصحابنا: الطلاق أربعة أقسام: واجب كما في الحكمين إذا بعثهما القاضي عند الشقاق بين الزوجين ورأيا المصلحة في الطلاق، ومندوب إذا لم تكن المرأة عفيفة، وحرام كالطلاق في الحيض، ومكروه كالطلاق بلا سبب مكدر.
          قال: والإشارة في لفظ تلك إلى حالة الطهر أو إلى العدة لا إلى الحيضة؛ لأن الطلاق فيها محرم.
          القاضي البيضاوي: فائدته أن يكون الطلاق برأي مستأنف وقصد مجدد يبدو له بعد الطهر الثاني.
          قوله: (سليمان بن حرب) ضد الصلح و(أنس بن سيرين) هو أخو محمد، و(فمه) ما للاستفهام وأبدل الألف هاء؛ أي: كما يكون إن لم أحتسب؛ أي: إلا الاحتساب، ويحتمل أن تكون كلمة الكف والزجر عنه؛ أي: انزجر عنه فإنه لا شك في وقوع الطلاق وكونه محسوباً في عدد الطلقات.
          و(يونس بن جبير) مصغر ضد الكسر، أبو غَلَّاب _بفتح المعجمة وشدة اللام وبالموحدة_ الباهلي، والأمر بالأمر بالشيء أمر بذلك الشيء أم لا فيه خلاف للأصوليين.
          قوله: (أرأيته) الخطابي: يريد أرأيت إن عجز واستحمق أيسقط عجزه وحمقه حكم الطلاق الذي أوقعه في الحيض، وهذا المحذوف الجواب الذي يدل عليه الفحوى قال النووي: أي: أفيرتفع عنه الطلاق.
          و(إن عجز واستحمق) وهو استفهام إنكار وتقديره: نعم يحتسب ولا يمنع احتسابها لعجزه وحماقته، والقائل لهذا الكلام هو ابن عمر صاحب القصة، ويريد به نفسه، وإن أعاد الضمير بلفظ الغيبة، وقد جاء في رواية (م): أن ابن عمر قال: ما لي لا أعتد بها، وإن كنت عجزت واستحمقت.
          وقال القاضي: إن عجز عن الرجعة وفعل فعل الأحمق. أقول: يحتمل أن تكون كلمة أن نافية؛ أي: ما عجز ابن عمر وما استحمق يعني: ليس طفلاً ولا مجنوناً حتى لا يقع طلاقه، والعجز لازم الطفل والحمق لازم الجنون فهو من إطلاق اللازم وإرادة الملزوم.
          و(أن تكون) مخففة من الثقيلة، واللام غير لازمة، ولو صح الرواية بالفتح فالمعنى أظهر.
          قوله: (أبو معمر) بفتح الميمين، عبد الله الحميدي مصغراً منسوباً أيضاً اسمه عبد الله، و(الوليد) بفتح الواو و(الأوزاعي) هو عبد الرحمن، و(ابنة الجَوْن) بفتح الجيم وإسكان الواو وبالنون، اسمها أميمة مصغر الأمة، وقيل: أسماء / ، ولفظ (الحقي بأهلك) كناية عن الطلاق.
          قوله: (حَجَّاج) بفتح المهملة وشدة الجيم الأولى، ابن أبي مَنِيع _بفتح الميم وكسر النون والمهملة_ يوسف، واسم جده عبيد الله بن أبي زِياد _بكسر الزاي وخفة التحتانية_ مولى الأمويين، ومات عبيد الله سنة ثمان أو تسع وخمسين ومائة.
          قوله: (عبد الرحمن بن غسيل) بفتح المعجمة، وهو عبد الرحمن بن سليمان بن عبد الرحمن بن الغسيل، وسمي بذلك؛ لأن حنظلة غسلته الملائكة يوم شهادته بأحد، و(حمزة) بالزاي، ابن أبي أسيد مصغر الأسد، واسمه مالك الساعدي، و(الشَّوْط) بفتح المعجمة وإسكان الواو وبالمهملة، اسم بستان بالمدينة بينها وبين أحد. و(الجونية) منسوبة إلى الجُون بضم الجيم، و(أميمة) بضم الهمزة بدل عن الجونية أو عطف بيان له، وهي بنت النعمان بن شراحيل بفتح المعجمة وخفة الراء وكسر المهملة.
          قال في ((الاستيعاب)): قيل: اسمها أمامة، وقيل: أسماء بنت النعمان بن الأسود بن الحارث بن شراحيل.
          قوله: (دايتها) بالمهملة والألف والتحتانية؛ أي: ظئرها، وهو معرب، و(لسوقه) أي: لواحد من الرعية. الجوهري: السوقة خلاف الملك، والجونية لم تعرف النبي صلعم، وكانت بعد ذلك تسمي نفسها بالشقية.
          قوله: (بمعاذ) بفتح الميم، اسم مكان العوذ، و(الرازقي) بالراء ثم الزاي والقاف، وهو ثوب معروف بذلك عندهم؛ أي: أعطها ثوبين من ذلك الجنس.
          فإن قلت: كيف دل الحديث على الترجمة إذ لا طلاق إذ لم يكن ثمة عقد نكاح إذ ما وهبت نفسها ولم يكن أيضاً بالمواجهة إذ قال بعد الخروج ألحقها بأهلها، قلت: له صلعم أن يزوج من نفسه بلا إذن المرأة ووليها، وكان صدور قوله: هي لي منه؛ لاستمالة خاطرها، وأما حكاية المواجهة فقد ثبت في الحديث السابق أنه خاطبها بقوله: ((الحقي بأهلك)) وأمره أبا أسيد بالإلحاق بعد الخروج لا ينافيه بل يعضده.
          قوله: (الحسين بن الوليد) بفتح الواو، النَّيْسابوري _بفتح النون وسكون التحتانية وبإهمال السين_ الفقيه السخي الورع، مات سنة ثنتين ومائتين، ولعله تعليق من (خ) إذ ولادته كانت سنة أربع وتسعين ومائة.
          و(عبد الرحمن) أي: ابن الغسيل و(عباس) بالمهملتين والموحدة، ابن سهل بن سعد الساعدي، و(أبو أسيد) بضم الهمزة عطف على أبيه لا على عباس.
          فإن قلت: تقدم آنفاً أنها بنت النعمان فكيف قال هاهنا إنها بنت شراحيل؟ قلت: هاهنا نسبها إلى جدها.
          قوله: (إبراهيم) ابن أبي الوزير، نائب السلطان اسمه عمر الهاشمي المكي ثم البصري، مات في بضع عشرة ومائتين، و(عن عباس) عطف على حمزة لا على أبيه.
          قوله: (حجاج) بفتح المهملة وشدة الجيم الأولى، ابن المِنهال بكسر الميم، و(أبو غلاب) بفتح المعجمة وشدة اللام وبالموحدة (يونس بن جبير) مصغر ضد الكسر.
          فإن قلت: سبق الحديث أول الباب وشرط فيه تكرر الطهر. قلت: التكرر هو للأولوية والأفضلية، وإلا فالواجب هو حصول الطهر فقط(2).
          الزركشي:
          (أرأيت إن عجز واستحمق) أي: عجز عن النطق بالرجعة أو ذهب عقله عنها لم يكن ذلك مخلًّا بالطلقة، فإنها واقعة من كل بد كذا ذكروه، وكأن هذا كان عندهم معلومًا.
          قال الخطابي: معناه: أسقط عنه الطلاق وعجزه، فهو من المحذوف الجواب المدلول عليه بالفحوى.
          وقال القرطبي: مبنيًّا للفاعل، ولا يجوز بناؤه للمفعول؛ لأنه غير متعد، انتهى.
          وفيه رد على من يرويه بالضم على ما لم يسم فاعله، يعني أن الناس استحمقوه وعدوه أحمق حيث وضع البر في غير موضعه، وإنما هو بفتح التاء مبنيًّا للفاعل؛ أي: تكلف الحمق بما يفعله من الطلاق وامرأته حائض.
          (ابنة الجون) هي عمرة بنت يزيد بن الجون.
          (حمزة بن أبي أسيد، عن أبي أسيد) كلاهما بضم الهمزة، وأبو أسيد، هو والد حمزة، واسم [أبي] أسيد مالك بن ربيعة.
          و(الشوط) بالطاء المشالة، بستان بالمدينة / .
          انتهى كلام الزركشي.
          أقول:
          أصل لفظة طالق أن الطالق من الإبل هي التي طلقت في المرعى، وقيل: هي التي لا قيد عليها، وطلاق النساء لمعنيين:
          أحدهما: مما حل عقدة النكاح، والآخر: بمعنى التخلية والإرسال.
          قوله: (فليراجعها رجعة الطلاق) تفتح راؤها وتكسر على المرة والحالة، وهو ارتجاع الزوجة المطلقة غير البائن إلى النكاح من غير استئناف عقد.
          قوله: (العدة التي أمر الله) لم يكن للمطلقة عدة، فأنزل الله تعالى العدة للطلاق عدة المرأة المطلقة والمتوفى عنها زوجها هي ما تعتده من أيام إقرائها، أو أيام حملها أو أربعة أشهر وعشر ليال، والمرأة معتدة.
          قوله: (فليراجعها) أراد صلعم هنا أن يراجعها ثم يطلقها في طهر لم يطأها فيه نقصت العدة على المعتدة رفقاً بها صلعم.
          قوله: (إن عجز واستحمق) يقال: استحمق الرجل إذا فعل فعل الحمقى، واستحمقته وجدته أحمق فهو لازم ومتعد، ويروى: ((استحمق)) على ما لم يسم فاعله والأول أولى لتراوح عجزه، ومعناه: أيسقط عجزه وجمعه حكم الطلاق كان جواب الشرط محذوف.


[1] في هامش المخطوط: ((أقول: فإذا كانت لم تعرف معناها فلا يكون ذلك لعدم قبولها وتطليقها، وكأن الظاهر إذا علم أنها لن تعرف معناها أن ترد)).
[2] في هامش المخطوط: ((أقول: والمرأة التي طلقها عبد الله بن عمر وهي حائض هي آمنة بنت غفار)).