مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب: {وبعولتهن أحق بردهن}

          ░44▒ باب قول الله: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} [البقرة:228]
          أي: في العدة، ثم ساق عن الحسن قال: زوج معقل... إلى آخره.
          وسلف في التفسير. ثم ساق حديث ابن عمر في طلاقه زوجته وهي حائض وسلف(1)، وقام الإجماع على أن الحر إذا طلق زوجته الحرة وكان دخل بها تطليقة أو تطليقتين أنه أحق برجعتها حتى تنقضي عدتها، وإن كرهت المرأة، وقد قال المفسرون في الآية المذكورة أنه الرجعة، وكذلك كان ابن عمر يقول: لو طلقت مرة أو مرتين خشية أن يبدو لي في مراجعتها وهو قد بت طلاقها فلا يمكنه، فإن لم يراجعها المطلق للسنة حتى انقضت عدتها فهي أحق بنفسها، فتصير أجنبية منه لا تحل إلا بخطبة ونكاح مستأنف بولي وإشهاد وليس على شبه المراجعة، وهذا إجماع، وعلى هذا جاء حديث معقل بن يسار.
          وأما حديث ابن عمر: ففيه خلاف هذا المعنى؛ وذلك أنه ◙ أمره بمراجعتها في تلك الحيضة التي طلقها فيها، ولم يذكر في الحديث أنه احتاج إلى صداق ولا ولي؛ من أجل أنه ◙ حين أمره بارتجاعها لم يذكر رضاها ولا رضى وليها؛ لأنه إنما يرد من لم تقطع عصمته منها، ولو احتيج إلى ذلك لم يكن ابن عمر المأمور بذلك وحده دون المرأة والولي، فكان هذا حكم من راجع في العدة أنه لا يلزمه شيء من أحكام النكاح غير الإشهاد على المراجعة فقط على خلاف فيه، أعني: الإشهاد، وهذا إجماع من العلماء، ويشهد لهذا المعنى قوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} يعني: في العدة {إِنْ أَرَادُواْ إِصْلاَحًا} [البقرة:228] يعني: الرجعة، فجعل لهم الرجعة دون استئذان النساء ودون اشتراط شيء من فروض النكاح.
          واختلف فيما يكون به مراجعاً، فقالت طائفة: إذا جامعها فقد جامعها، روي ذلك عن سعيد بن المسيب وعطاء وطاوس، وهو قول الأوزاعي. وقال مالك وإسحاق: إذا وطئها في العدة _وهو يريد الرجعة_ وجهل أن يشهد فهي رجعة، وينبغي للمرأة أن تمنعه الوطء حتى يشهد.
          وقال ابن أبي ليلى: إذا راجع ولم يشهد صحت الرجعة. وقال الشافعي: لا تكون رجعة إلا بالكلام، فإن جامعها بنية الرجعة أو دونها فلا رجعة، ولها عليه مهر المثل.
          واستشكل؛ لأنها في حكم الزوجات، فكيف يجب مهر؟ وعند أبي حنيفة والثوري: إن لمسها أو نظر إلى فرجها بشهوة من غير قصد الرجعة فهي رجعة، وينبغي أن يشهد.
          قال ابن المنذر: اختلف في مراجعة الحائض والنفساء فقال مالك: ومن طلقها وهي حائض أو نفساء أجبر على رجعتها.
          قال ابن المنذر: ويشبه أن تكون حجة من أجبره عليها قوله ◙ لعمر: ((مره فليراجعها))، / وأمره فرض.
          والطلاق الرجعي عندنا يحرم الوطء، وخولف فيه، وتتزوج البائن في عدته كبعدها، إلا البائن بالثلاث إلا بشرطه. والتزويج عندهم ليس رجعة؛ لأنه لغو، ولو وطء بناء عليه، فإن راجعها بقول أو فعل اختلف فيه أشياخهم على أقوال: لا، نعم، يصح بالفعل دون القول. قالوا: فإن وطئها في دبرها فليس برجعة. والفتوى نعم. فإن أجاز المطلق مراجعة الفضولي صح.
          في ((مصنف ابن أبي شيبة)) عن جابر بن زيد، إذا راجع في نفسه فليس بشيء.
          قال أبو عبيدة: هذه الآية التي نزلت في قصة معقل هي الأصل عندنا في إنكاح الأولياء؛ لأنه لو لم يكن لهم فيه حظ ما كان لنهيهم عن عضلهن معنى.
          وفيه أنه إذا عضلها فللسلطان أن يسأله ما الذي يحمله على عضلها ولا يفتأت عليه ليزوجها بغير أمره؛ حتى يعرف معنى فعله فربما عضلها لأمر إن تم عليه كانت فيه غضاضة عليه في عرضه.
          قوله: (فحمي معقل(2) من ذلك آنفاً) أي: أبى من فعله وأنف، وحمي _بكسر الميم_ على وزن علم.
          قوله: (فترك الحمية واستراد لأمر الله) كذا في أصل الدمياطي: ((استراد)) أي: رجع ولان وانقاد، وذكره ابن التين بلفظ: ((واستقاد)). وقال: كذا وقع عند الشيخ أبي الحسن بتشديد الدال والألف. ولا يتبين لي وجهه؛ لأن ألف المفاعلة لا تجتمع مع سين الاستفعال، قال: وعند أبي ذر: <فاستقاد لأمر الله> أي: أذعن وطاع، وهو بين.
          قال والدي ⌂:
          (باب قوله {وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ}) الآية [البقرة:228].
          قوله: (الحكم) بالمهملة والكاف المفتوحتين، ابن عتيبة مصغر عتبة الدار، و(ينفر) أي: من الحج، و(صفية) بفتح المهملة (ابنة حيي) بضم المهملة وخفة التحتانية الأولى، أم المؤمنين، و(كئيبة) أي: حزينة، و(عقرى حلقى) معناه: عقر الله جسدها وأصابها وجع في حلقها، وقيل: هو مصدر كدعوى. وقيل: هو مصدر بالتنوين والألف في الكتابة، وقيل: هو جمع عقير وحليق، ومر تحقيقه في كتاب الحج في باب التمتع.
          و(حابستنا) أسند الحبس إليها؛ لأنها سبب توقفهم إلى وقت طهارتها عن الحيض، و(أفضت) أي: طفت طواف الإفاضة، وقال انفري لأن طواف الوداع ساقط عن الحائض.
          قوله: (في العدة) تفسير لقوله تعالى في ذلك؛ أي: الرجعة تثبت في العدة، و(محمد) قيل: هو ابن سلام، و(الحسن) هو البصري، و(معقل) بفتح الميم وإسكان المهملة وكسر القاف (ابن يسار) ضد: اليمين البصري، و(محمد بن المثنى) ضد المفرد، و(عبد الأعلى) بن عبد الأعلى القرشي، و(سعيد) هو ابن أبي عروبة بفتح المهملة وضم الراء وبالموحدة، و(حمي) بكسر الميم، يقال: حميت عن كذا حمية بالتشديد إذا أنفت منه وداخلك عار والأنف الاستنكاف، وهو يقدر عليها بأن يراجعها قبل انقضاء العدة، و(استقاد) بالقاف يقال: استقاد لي إذا أعطاك مقادته يعني: طاوعه وامتثل أمره، وفي بعضها: ((استزاد)) من الزود؛ أي: طلب الزوج الأول ليزوجها لأجل حكم الله بذلك، أو أراد رجوعها إلى الزوج الأول ورضي به لحكم الله به.
          فإن قلت: أين [موضع] دلالته على الترجمة؟ قلت: لفظ ثم خلا عنها.
          قال ابن بطال: وأما المراجعة عند (خ) فهي على ضربين مراجعة في العدة على حديث ابن عمر، ومراجعة بعد العدة على حديث معقل قال: وفيه دليل على أنه ليس للمرأة أن تنكح بغير إذن وليها ولو لم يكن الإنكاح للولي لما كان لنهيه عن العضل معنى / .
          قوله: (ثم يمهلها حتى تطهر) فإن قلت: ما الفائدة في تكرار الطهر؟ قلت: إشعاراً بأن المراجع ينبغي أن لا يكون قصده بالمراجعة تطليقها فأمر بإمساكها في الطهر الأول، وتطليقها في الثاني برأي مستأنف وقصد مجدد يبدو له بعد أن تطهر ثانياً، ومر في أول كتاب الطلاق.
          قوله: (غيره) أي: غير قتيبة، و(لو طلقت) جزاؤه محذوف؛ أي: لكان خيراً.
          قوله: (حجاج) بفتح المهملة وشدة الجيم الأولى (ابن منهال) بكسر الميم وإسكان النون، و(يزيد) من الزيادة التستري، و(يونس بن جبير) مصغر ضد الكسر، و(قبل) بضم القاف والموحدة؛ أي: وقت استقبال العدة والشروع فيها؛ أي: يطلقها في الطهر، و(تعتد) أي: أتعتبر بتلك التطليقة وتحتسبها ويحكم بوقوع طلقة.
          فقال ابن عمر في الجواب معبراً بلفظ الغيبة عن نفسه أن ابن عمر إن عجز واستحمق فما يمنعه أن يكون طلاقاً يعني: نعم يحتسب ولا يمنع احتسابها لعجزه وحماقته، وله توجيهات أخر ذكرناها في أول الطلاق.
          الزركشي:
          (باب قوله: {وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ} الآية) [البقرة:228] قد تلطف في استدلاله بالحديث على الترجمة، فإن النبي صلعم رتب على مجرد قول صفية أنها حائض لزوم أن تحتبس عليها، وهذا حكم متعد منها إلى الغير يقاس عليه تعديها في الحيض والحمل باعتبار رجعة الزوج وسقوطها والتحاق الحمل به.
          (فحمي) بكسر الميم، بوزن علم.
          (أنفًا) بفتحتين؛ أي: أبى من فعله وأنف.


[1] في هامش المخطوط: ((هي أمية بنت عقار)).
[2] في هامش المخطوط: ((أقول: أخت معقل اسمها حميلة بنت يسار وزوجها أبو البداح بن عاصم بن عدي)).