مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب قول النبي: لو كنت راجمًا بغير بينة

          ░31▒ باب قول النبي صلعم: ((لو كنت راجماً بغير بينة))
          فيه حديث ابن عباس أنه ذكر التلاعن... الحديث.
          وفيه: أنه قد يبتلى الإنسان بقوله، وذلك أن عاصم بن عدي كان قد قال عند رسول الله أنه لو وجد مع امرأته رجلاً لضربه بالسيف حتى يقتله، فابتلي بعويمر رجل من قومه ليريه الله كيف حكمه في ذلك.
          وفيه: ما ترجم له وهو قوله: ((لو كنت راجماً بغير بينة)) في المرأة التي كانت تعلن بالسوء؛ أي: لو كنت متعدياً حق الله فيها إلى ما قام من الدلالة عليها لرجمتها؛ لبيان الدلائل على فسقها، ولكن ليس لأحد أن يرجم بغير بينة فيتعدى الحدود، والرب جل جلاله أمر أن لا تتعدى حدوده لما أراد تعالى من ستر عباده.
          ومعنى قوله: (اللهم بين) الحرص على أن يعلم من باطن المسألة ما يقف به على حقيقتها، وإن كانت شريعة قد أحكمها الله في القضاء بالظاهر، وإنما صارت شرائع الأنبياء يقضى فيها بالظاهر؛ لأنها تكون سبباً لمن بعدهم من أمتهم ممن لا سبيل له إلى وحي يعلم به بواطن الأمور.
          والخدل: _بفتح الخاء المعجمة وسكون الدال المهملة_ الغليظ الممتلئ الساقين، بقوله: (خدلج الساقين) أي: عظيمهما، وهو ضد الحمش يقال: رجل حمش الساقين إذا كان رفيعهما.
          قوله: (آدم خدلاً كثير اللحم) قال ابن التين: ضبط في بعض الكتب بكسر الدال وتخفيف اللام، وفي بعضها بتشديد اللام، وفي بعضها بسكون اللام، وكذلك هو في كتب اللغة، وكذا ضبط في رواية أبي صالح وابن يوسف.
          قوله: (كثير اللحم) / أي: ممتلئ.
          أخذ بهذا الحديث الشافعي على أن من رمى امرأته برجل سماه أنه يلاعن، ولا يحد الرجل. قال الداودي: لم يبلغ مالكاً هذا ولو بلغه لقال به؛ لأنه أتبع الناس للأثر، وانفصل لمالك بأن الرجل لم يأت رسول الله ولم يقم بحقه، وقول مالك وأبي حنيفة: إنه يحد له، وإن لم يسم لم يحد له عند مالك وأبي حنيفة، وللشافعي قول أنه يحد له.
          وقول ابن عباس: ((تلك امرأة كانت تظهر السوء)) قال الداودي: فيه جواز الغيبة ممن يظهر السوء، وقد لا يلزم ذلك؛ لأنه لم يذكرها ولم يعينها، وفي الحديث: ((لا غيبة لمجاهر)).
          وقول عاصم: ((ما ابتليت بهذا إلا لقولي)) قال الداودي: لأنه قال لو وجدت لفعلت أو عير أحداً فابتلي، ذكر أن ابن سيرين عير رجلاً بفلس ثم ندم، وانتظر العقوبة أربعين سنة ثم نزل به.