مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب قول الله تعالى: {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن}

          ░18▒ باب قول الله: {وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ}الآية [البقرة:221]
          ثنا قتيبة، ثنا الليث... إلى آخره.
          هذا من أفراده، وحمله ابن المرابط على التنزيه عن نساء أهل الكتاب، للتشابه الذي بينهن وبين الكفار من غير أهل الكتاب، لا على أن ذلك حرام؛ لأن الإجماع وقع على إباحة نكاح الكتابيات لقوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ} [المائدة:5]. ولا جائز أن يقال: أراد بالمحصنات هنا اللواتي أسلمن من أهل الكتاب لأنهن مؤمنات، وقد تقدم ذكر المؤمنات قبله، فلا معنى لذكره ذلك بعد، فوجب استعمال النص في نساء أهل الكتاب مع ما استمر عليه عمل الصحابة في زمنه إلى يومنا هذا.
          وقال القاضي إسماعيل: إنما كان ذلك إكراماً للكتاب الذي بأيديهم، وإن كانوا حرفوا بعضه وبدلوه، بخلاف عبدة الأوثان، وهو قول مالك، قال: والحرمة توجد من كل كافر وثني كان أو غير وثني.
          والذي ذهب إليه جمهور العلماء أن الله تعالى حرم نكاح المشركات بالآية المذكورة، ثم استثنى نكاح نساء أهل الكتاب فأحلهن في سورة المائدة بقوله: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ} [المائدة:5] وبقي سائر المشركات على أصل التحريم.
          قال أبو عبيد: روي هذا القول عن ابن عباس، وبه جاءت الآثار عن الصحابة والتابعين وأهل العلم بعدهم أن نكاح الكتابيات حلال، وبه قال مالك والأوزاعي والثوري والكوفيون والشافعي وعامة العلماء. وقال غيره: ولا يروى خلاف ذلك إلا عن ابن عمر فإنه شذ عن جماعة الصحابة والتابعين، ولم يجز نكاح اليهودية والنصرانية. وخالف ظاهر قوله: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ} [المائدة:5]، ولم يلتفت أحد من العلماء إلى قوله.
          قال ابن المنذر: ولا يصح عن أحد من الأوائل أنه حرم ذلك، وقيل: المشركات هنا: عبدة الأوثان والمجوس. وقد تزوج / عثمان بن عفان نائلة بنت الفرافصة الكلبية وهي نصرانية، تزوجها على نسائه. وتزوج طلحة بن عبيد الله يهودية، وتزوج حذيفة يهودية وعنده حرتان مسلمتان.
          قال ابن أبي شيبة: وثنا أبو خالد الأحمر، عن عبد الملك قال: سألت عطاء عن نكاح اليهوديات والنصرانيات؟ فكرهه وقال: كان ذاك والمسلمات قليل. قال أبو عبيد: والذي عليه جماعة من الفقهاء في قوله: {وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ} [البقرة:221] أن المراد الوثنيات، وأنه لم ينسخ تحريمهن وهو محجوج بالجماعة والتنزيل.
          وروى ابن أبي شيبة بسنده عن سعيد بن المسيب أنه قال: لا بأس أن يشتري الرجل المسلم الجارية المجوسية فيتسراها. وعن مثنى قال: كان عطاء وطاوس وعمرو بن دينار لا يرون بأساً أن يتسرى الرجل بالمجوسية.
          واتفق مالك وأبو حنيفة وأصحابه والشافعي: أن نكاح الحربيات في دار الحرب حلال، إلا أنهم كرهوا ذلك من أجل أن المقام له ولذريته في دار الحرب حرام عليه؛ لئلا يجري عليه وعلى ولده حكم أهل الشرك. واختلف في نكاح إماء أهل الكتاب: فمنعه مالك والأوزاعي والليث والشافعي؛ لقوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ} [المائدة:5]. قال: فهن الحرائر من اليهوديات والنصرانيات وقال: {وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء:25].
          قال مالك: إنما أحل نكاح الإماء المؤمنات دون نكاح إماء أهل الكتاب. وقال أبو حنيفة وأصحابه: لا بأس بنكاح إماء أهل الكتاب؛ لأن الله تعالى قد أحل الحرائر منهن والإماء تبع لهن(1)، وهو قول أبي ميسرة، فيما حكاه ابن المنذر، والحجة عليهم نص التنزيل السالف(2). وأجمع أئمة الفتوى أنه لا يجوز وطء أمة مجوسية بملك اليمين، وأجاز ذلك طائفة من التابعين.
          قال والدي ⌂:
          (باب الخلع) وهو فرقة بين الزوجين على عوض يأخذه الزوج.
          و(دون السلطان) أي: بغير حضرة القاضي، و(العقاص) بكسر المهملة وبالقاف، جمع: العقيصة وهي الضفيرة، ويقال: هي التي تتخذ من شعر رأس المرأة كالرمانة؛ أي: أجاز الخلع بالشيء القليل.
          قوله: (لم يقل) أي: الله تعالى {لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا} [البقرة:229] إلا أن تقول المرأة لا أغتسل لك من جنابة فإنها حينئذ تصير ناشزة، فيحل الأخذ منها، ولا أغتسل إما كناية عن الوطء وإما حقيقة.
          قوله: (أزهر) بفتح الهمزة والهاء وتسكين الزاي بينهما، (ابن جميل) بفتح الجيم البصري، مات سنة إحدى وخمسين ومائتين، و(عبد الوهاب الثقفي) بالمثلثة والقاف والفاء، و(امرأة ثابت) اسمها جميلة _بالجيم المفتوحة_ بنت أبي _بضم الهمزة وخفة الموحدة وشدة التحتانية_ ابن سلول أخت عبد الله المنافق، و(ثابت) ضد الزائل ابن قيس بن شماس _بفتح المعجمة وتشديد الميم والمهملة_ و(ما أعتب) بضم الفوقانية وكسرها، من عتب عليه إذا وجد عليه، وفي بعضها: ((أعيب)) بالتحتانية؛ أي: لا أغضب عليه، ولا أريد مفارقته لسوء خلقه ولا لنقصان دينه، ولكن أكرهه طبعاً فأخاف على نفسي في الإسلام وما ينافي مقتضى الإسلام باسم ما ينافي نفس الإسلام وهو الكفر، ويحتمل أن يكون من باب الإضمار؛ أي: لكني أكره لوازم الكفر من المعاداة والنفاق والخصومة ونحوها / .
          وروي أنها قالت: لا أعيب عليه بخلق أو دين، ولكني رفعت جانب الخباء فرأيته أقبل في عدة.. إلى آخره وسلف.
          قوله: (حديقته) أي: بستانه الذي أعطاها، والأمر في (طلقها) أمر إرشاد واستصلاح لا أمر إيجاب وإلزام، وقال (خ): لم يتابع أحد عبد الوهاب في لفظ عن ابن عباس، بل رواه غيره إما موقوفاً على عكرمة أو مرسلاً.
          قوله: (خالد) أي: الطحان (عن خالد) أي: الحذاء، و(إبراهيم بن طهمان) بفتح المهملة وتسكين الهاء وبالنون، و(أيوب بن أبي تميمة) بفتح الفوقانية، السختياني، و(لا أطيقه) أي: لا أطيق معاشرته، وفي بعضها: ((لا أطيعه)).
          قوله: (المخرمي) بضم الميم وفتح المعجمة وكسر الراء المشددة، منسوب إلى محلة من محال بغداد، أبو جعفر الحافظ قاضي حلوان، مات سنة أربع وخمسين ومائتين، و(قراد) بضم القاف وخفة الراء وبالمهملة، لقب، و(أبو نوح) بضم النون كنية، واسمه عبد الرحمن بن غزوان _بفتح المعجمة وإسكان الزاي وبالنون_ البغدادي مات سنة سبع ومائتين، و(جرير) بفتح الجيم وكسر الراء الأولى، ابن حازم بالمهملة والزاي، و(ما أنقم) أي: لا أكره ولا أعيب، و(أخاف الكفر) أي: مقتضياته ولوازمه ففيه إضمار أو هو مجاز عن منافي مقتضى الإسلام.
          و(سليمان) بن حرب ضد الصلح (وأن جميلة) أي: زوجة ثابت أخت عبد الله، والحديث مختصر ومر آنفاً.
          قوله: (الضرورة) في بعضها: ((الضرر))، و(أبو الوليد) بفتح الواو، هشام الطيالسي، و(ابن أبي مليكة) بضم الميم، عبد الله، و(المسور) بكسر الميم وفتح الواو وبالراء، ابن مخرمة _بفتح الميم والراء وسكون المعجمة_ الزهري.
          قوله: (بنو المغيرة) فإن قلت: تقدم بورقتين أنها من بني هشام، وفي كتاب الجهاد: أنها بنت أبي جهل. قلت: لا منافاة إذ أبو جهل هو عمرو بن هشام بن المغيرة المخزومي.
          فإن قلت: ما [وجه] تعلقه بالترجمة؟ قلت: أورد هذا الحديث هنا لأن فاطمة ♀ ما كانت ترضى بذلك، وكان الشقاق بينها وبين علي متوقعاً، فأراد صلعم دفع وقوعه.
          قال شارح التراجم: يحتمل أن يكون وجه المطابقة من باقي الحديث وهو إلا أن يريد على أن يطلق ابنتي فيكون من باب الإشارة بالخلع.
          قوله: (ربيعة) بفتح الراء، و(بريرة) بفتح الموحدة وكسر الراء الأولى، مولاة عائشة، و(ثلاث سنن) أي: علم بسببها ثلاثة أحكام من الشريعة، و(خيرت) بلفظ المجهول، و(أدم) بضم الهمزة، الإدام.
          فإن قلت: كيف دل على الترجمة؟ قلت: إذا لم يكن العتق طلاقاً فالبيع بالطريق الأولى، ولو كان ذلك طلاقاً لما خيرها رسول الله صلعم.
          قوله: (وهيب) مصغراً، و(مغيث) بضم الميم وكسر المعجمة وبالمثلثة، قال في ((الاستيعاب)): هو مولى بني مطيع، وقيل: مولى لبني مخزوم فهو قرشي بالولاء.
          فإن قلت: أين موضع الترجمة؟ قلت: هذا مختصر من الحديث، ويدل عليه تمامه وهو الحديث السابق عليه.
          قوله: (ألا تعجب) وإنما كان محل التعجب؛ لأن الغالب في العادة أن المحب لا يكون إلا محبوباً وبالعكس.
          قوله: (لو راجعته) في بعضها: ((راجعتيه)) بإشباع الكسرة ياء.
          وفيه شفاعة الإمام إلى الرعية وهو من مكارم الأخلاق، وعدم وجوب قبولها، وأن العداوة لسوء الخلق وخبث العشرة ونحوه جائز، وأنه لا بأس بالنظر إلى المرأة التي يريد خطبتها وبإتباعه إياها، ومعنى المراجعة غير الرجعة التي تكون بين الزوجين في / الطلاق الرجعي(3)، ولهذا احتاج إلى الشفاعة وأنه لا حرج على المسلم في حبه للمرأة المسلمة وإن أفرط فيه ما لم يأت محرماً.
          قوله: (عبد الله بن رجاء) ضد الخوف، و(الحكم) بالمهملة والكاف المفتوحتين، ابن عتيبة مصغر عتبة الدار، و(مواليها) أي: ملاكها التابعون [لها]، قالوا: لا نبيعها إلا بشرط أن يكون ولاؤها لنا، ومر الحديث بضع عشرة مرة.
          قوله: (أكبر) بالموحدة وبالمثلثة، وهو إشارة إلى ما قالت النصارى المسيح ابن الله، وهكذا حكم اليهود إذ قالوا: عزيز ابن الله، وكان مذهبه أنه لا يحل للمسلم نكاح الكتابية لأنها مشركة، وأما الجمهور فجوزوه قائلين بأن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ} [المائدة:5] وبأن الحل فيمن علم أن أول آبائها أمن قبل التحريف وذلك قبل قولهم بالإشراك، فباعتبار الآباء لسن من أهل الشرك؛ لأنهم تمسكوا بذلك الدين حين كان حقًّا.
          الزركشي:
          (وأجاز عثمان [الخلع] دون عقاص رأسها) يعني: أن يأخذ منها كل ما لها إلى أن تكشف له رأسها، ويترك له قناعها وشبهه.
          (وقال طاوس: في العشرة والصحبة، ولم يقل قول السفهاء) أي: لم يقل طاوس قول السفهاء: لا يحل الخلع حتى تقول: لا أغتسل لك من جنابة، أي: تمنعه أن يطأها، فظاهره أن قوله: ((لم يقل)) من كلام (خ)، وحكاه غيره عن ابن جريج.
          (ما أعتب عليه) العتب الموجدة، يقال: عتب عليه يعتب بالضم إذا وجد عليه، فاوضته بما عتب عليه، قيل: عاتبه، فإذا رجع إلى مسرتك، فالاسم العتبى بعد رجوع المعتوب عليه إلى ما يرضي العاتب.
          (والحديقة) البستان، وتوقف السفاقسي في تبويب (خ) الشقاق، وهل يشير بالخلع عند الضرورة، وفي تبويبه: ((لا يكون بيع الأمة طلاقًا)) وقال: ليس فيما أورد من الحديث ما يقتضيه.
          وقال ابن بطال: يحتمل أن يريد الاستدلال بقوله: ((إلا أن يريد علي أن يطلق ابنتي))، وقال غيره: بقوله: ((فلا آذن لهم)) لأنه أشار على علي بعدم نكاح ابنتهم ومنعه منه.
          (عن عكرمة أن أخت عبد الله بن أبي بن سلول) وصوابه: بنت عبد الله لا أخته، واسمها جميلة، هذه رواية أهل البصرة، أن جميلة هي المختلعة من ثابت، وكانت نشزت عليه لدمامته، وأهل المدينة يقولون: إن المختلعة من ثابت حبيبة بنت سهل الأنصاري، وكان في خلق ثابت شدة فضربها فاختلعت منه فتزوجها أبي بن كعب، وكان رسول الله صلعم هم أن يتزوجها وهي جارية قبل ثابت، فكره ذلك لغيرة الأنصار، كره أن يسوؤهم في نسائهم.
          قال أبو عمر: وجائز أن تكون حبيبة وجميلة اختلعتا من ثابت بن قيس.
          (المخرمي) بفتح الخاء المعجمة والراء المشددة.
          (ابن شماس) بفتح الشين المعجمة وتشديد الميم وآخره سين مهملة.
          (في سكك المدينة) بكسر السين، جمع سكة: الأزقة.
          (باب شفاعة النبي صلعم في زوج بريرة) قيل: مدخله في الفقه تسويغ الشفاعة للحاكم عند الخصم في خصمه إذا ظهر حقه وإشارته بالترك.
          قلت: لم تكن الشفاعة عند الترافع. انتهى كلام الزركشي.
          أقول:
          قوله: (دون عقاص رأسها) معناه أنه يأخذ منها كل ما بيدها من قليل وكثير ولا يترك لها سوى عقاص رأسها، وهو مذهب مالك والشافعي وغيرهما، ومذهب أحمد وغيره لا يجوز أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها.
          قوله: (في خلق ولا دين) الخلق _بضم اللام وسكونها_ الدين والطبع والسمعة، وحقيقة أنه لصورة الإنسان الباطنة وهي نفسه وأوصافها ومعانيها المختصة بها ينزله الخلق لصورته الظاهرة وإرضاء لها / ومعانيها ولها أوصاف حسنة وقبيحة، والثواب والعقاب يتعلقان بأوصاف الصورة الباطنة أكثر مما يتعلقان بأوصاف الصورة الظاهرة، ولهذا تكررت الأحاديث في مدح حسن الخلق في غير موضع كقوله: أكثر ما يدخل الناس الجنة تقوى الله وحسن الخلق.
          وقوله: (عليها صدقة ولنا هدية) إذا ملك محتاجاً لطلب ثواب الآخرة، فصدقه وإن نقل إلى مكان الموهوب له إكراماً فهدية.


[1] في هامش المخطوط: ((أقول: هذا معترض بالحرائر المؤمنات فإنه يجوز نكاحهن، ولا يجوز نكاح الإماء المؤمنات إلا بشرط وهو عدم وجدان طول الحرة وهو ظاهر النص لقوله: {وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم} ولو أن الإماء الكافرات يتبعن الحرائر المؤمنات كما قال فكان بالأولى أن يتبعن إلاماء المؤمنات الحرائر المؤمنات، وليس كذلك لما بيناه فليتأمل)).
[2] في هامش المخطوط: ((أقول: سبب ذلك أنها جمعت رذيلتين الرق والشرك وفي الحرة واحدة فجاز دون الأمة المشركة)).
[3] في هامش المخطوط: ((أقول: معنى المراجعة بينا الإعادة؛ أي: لو أعدتيه إلى حاله الأولى من الزوجية)).