مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب من قال لامرأته: أنت عليَّ حرام

          ░7▒ باب من قال لامرأته: أنت علي حرام
          (قال الحسن: نيته) هذا ذكره عبد الرزاق، عن معمر، عن عمرو عنه قال: إذا نوى طلاقها فهو طلاق، وإلا فهو يمين، ثم قال: وقال أهل العلم... إلى آخره.
          هذا التعليق أخرجه (م) عن يحيى وغيره، عن الليث.
          قوله: (إنه أمرني بهذا) إشارة إلى أمره بالمراجعة لأجل الحيض، وإن طلقت ثلاثاً لم تكن للمراجعة؛ لأنها لا تحل لك إلا بعد زوج، وكذا جاء مفسراً في رواية أخرى، كما نبه عليه القرطبي، وأما رواية من روى أن ابن عمر طلق ثلاثاً، فوهم. وكأن (خ) أراد بإيراد هذا / أن فيه لفظة: ((حرمت عليك))، وإلا فلا مناسبة له في الباب.
          وفي قوله: (أو مرتين) دلالة أنه لما يدع ذلك. ثم ذكر حديث عائشة في ذوق العسيلة، ولعله أورده؛ لأن فيه: ((لا تحلين لزوجك الأول)) وقد سلف.
          قوله: (إلا هنة واحدة) أي: لم يطأها إلا مرة، يقال: هنى، بمعنى: أتى، إذا غشي امرأته، يقولون: وهنت فهنت، كناية عن الجماع.
          وأسلفنا مذاهب العلماء فيمن قال لامرأته: أنت علي حرام، في سورة التحريم، ووصلناها إلى أربعة عشر مذهباً، وقال الشافعي: ليس قوله: ((أنت طلاق بحرام)) حتى ينويه، فإن أراد الطلاق فهو ما أراد من الطلاق، وإن قال: أردت تحريماً بلا طلاق، كان عليه كفارة يمين، وليس بمول. وقال ابن عباس: يلزمه كفارة ظهار، وهو قول أبي قلابة وسعيد بن جبير، وبه قال أحمد، وقيل: إنها يمين تكفر.
          روي عن الصديق وعمر وابن مسعود وعائشة وابن عباس وسعيد بن المسيب وعطاء وطاوس وجماعة، وبه قال الأوزاعي وأبو ثور. واحتج أبو ثور بأن الحرام ليس من ألفاظ الطلاق بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ} [التحريم:1] الآية ولم يوجب به طلاقاً، وكان حرم على نفسه مارية، وقيل: لا شيء فيه، ولا كفارة كتحريم الماء؛ لقوله تعالى: {لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ} [المائدة:87] روي عن الشعبي ومسروق وأبي سلمة، قال مسروق: ما أبالي حرمت امرأتي أو جفنة من ثريد.
          وقال الشافعي: أنت علي حرام، أهون من نعلي، وقال أبو سلمة: ما أبالي، حرمتها أو حرمت الفرات، وهو شذوذ، كما قال ابن بطال. وعليه بوب (خ) هذا الباب، وذهب إلى أن من حرم زوجته أنها ثلاث، كإجماع العلماء على مثله في الطلاق الثلاث، وإليه أشار (خ) في حديث رفاعة؛ لأنه بت طلاقها، فلم تحل له إلا بعد زوج، فحرمت عليه مراجعتها، فكذلك من حرم. ومن قال: تلزمه كفارة ظهار فليس بالبين؛ لأن الله تعالى إنما جعل كفارة الظهار للمظاهر خاصة.
          وأما قول الحسن: له نيته. فهي رواية أخرى، ذكرها عبد الرزاق.
          قال والدي ⌂:
          (باب من أجاز طلاق الثلاث) أي: تطليق المرأة بالطلاق الثلاث دفعة واحدة.
          فإن قلت: كيف دلت الآية على إجازته؟ قلت: إذا جاز الجمع بين اثنتين جاز بين الثلاث، أو التسريح بالإحسان عام متناول لإيقاع الثلاث دفعة.
          واختلف فيمن قال لامرأته: أنت طالق ثلاثاً، فقال الأئمة الأربعة: يقع ثلاثاً، وقال الظاهرية: لا يقع بذلك إلا واحدة، وقيل: لا يقع به شيئاً أصلاً. قال شارح التراجم: مراده إيقاع الطلاق الثلاث دفعة خلافاً لمن قال: لا يقع وهو الحجاج بن أرطأة.
          قوله: (ابن الزبير) هو عبد الله، و(لا أرى) بفتح الهمزة، و(المبتوتة) أي: المقطوعة عن الإرث وهي التي طلقها زوجها في مرض موته طلاقاً بائناً لئلا ترثه. وقال عامر الشعبي: تعارض مقصود المطلق بنقيض مقصوده فنحكم بإرثها قياساً على القاتل حيث عورض بنقيض مقصوده فحكم بعدم إرثه، والجامع بينهما أنهما فعلا محرماً لغرض فاسد، فقال عبد الله بن شبرمة _بضم المعجمة والراء وإسكان الموحدة_ الضبي قاضي الكوفة التابعي له: أتجيز لها التزوج بعد العدة وقبل وفاة الزوج الأول أم لا؟.
          فقال الشعبي: نعم، فقال ابن شبرمة: فإن مات الزوج الآخر ترث منه أيضاً، فيلزم إرثها من الزوجين معاً في حالة واحدة فرجع الشعبي عن ذلك.
          قوله: (سهل بن الساعدي) بكسر المهملة الوسطانية، و(عويمر) مصغر عامر بالمهملة والراء، العجلاني _بفتح المهملة وسكون الجيم وبالنون_، و(عاصم) ابن عدي بفتح المهملة الأولى وكسر الثانية.
          قوله: (أرأيت) رجلاً؛ أي: أخبرني عن / حكمه، و(كره المسائل) أي: التي لا يحتاج إليها لا سيما ما فيه إشاعة فاحشة، و(كبر) بضم الموحدة، عظم وشق، و(أنزل فيك) أي: آية اللعان، و(تلك) أي: التفرقة، مر مباحث الحديث في سورة النور.
          قوله: (سعيد بن عفير) مصغر العفر بالمهملة والفاء والراء، و(عقيل) بضم المهملة، و(رفاعة) بكسر الراء وخفة الفاء وبالمهملة، القرظي بضم القاف وفتح الراء وبالمعجمة، و(بت) أي: قطع قطعاً كليًّا هذا اللفظ يحتمل أن تكون الثلاث دفعة واحدة وهو محل الترجمة، و(عبد الرحمن بن الزبير) بفتح الزاي وكسر الموحدة، و(الهدبة) بضم الهاء، هدبة الثوب، و(ذوق العسيلة) كناية عن لذة الجماع والعسل يؤنث في بعض اللغات، واسم المرأة تميمة بفتح الفوقانية، وسبق الحديث في كتاب الشهادات.
          قوله: (محمد بن بشار) بالموحدة وشدة المعجمة، و(يذوق) أي: الزوج الثاني عسيلتها، و(تستأمري) من الاستئمار وهو المشاورة، ومر في سورة الأحزاب ومسلم بلفظ فاعل الإسلام، يحتمل أن يكون هو أبو الضحى بن صبيح مصغر الصبح، وأن يكون البطين بفتح الموحدة، ابن أبي عمران لأنهما يرويان عن مسروق ويروي الأعمش عنهما ولا قدح بهذا الالتباس؛ لأنهما بشرط (خ).
          و(شيئاً) أي: طلاقاً، و(عامر) أي: الشعبي، و(الخيرة) أي: تخيير الرجل زوجته في الطلاق وعدمه، فقالت عائشة: ليس طلاقاً بدليل تخيير رسول الله صلعم أزواجه واختيارهن له (ولا أبالي) أي: لا يقع بالتخيير مطلقاً طلاق بعد أن يختار الزوج يعني: لو اختارت نفسها مثلاً ونوت الطلاق وقع.
          قوله: (فهو على نيته) أي: هذه الكلمات كنايات عن الطلاق، فإن نوى الطلاق بها وقع وإلا فلا، فإن قلت: لم كان للطلاق كناية ولم يكن للنكاح ألفاظ للكناية؟ قلت: لأن النكاح لا يصح إلا بالإشهاد.
          قوله: (نيته) أي: المعتبر قصده فإن كان مراده بقوله: ((حرام)) طالقاً يقع الطلاق، وإن كان غير الطلاق فذلك، وقال أهل العلم: يقال للمطلقة: حرام، ولا يقال للطعام الذي حرمه على نفسه حرام.
          قوله: (لو طلقت) جزاؤه محذوف وهو لكان خيراً أو هو للتمني.
          قوله: (محمد) أي: ابن سلام، و(أبو معاوية) محمد بن خازم بالمعجمة والزاي، و(الهدبة) هي طرف الثوب مثل الخمل، و(لم تصل) أي: المرأة من الزوج الثاني (إلى شيء تريد) المرأة؛ أي: الجماع، و(لم يقربني) بفتح الراء، و(الهنة) بفتح الهاء والنون كلمة كناية عن الشيء، وفي أكثر النسخ: هبة بالموحدة الشديدة، و(الآخر) بكسر الخاء وفتحها وهذه قصة امرأة رفاعة، ومر مراراً.
          الزركشي:
          (العسيلة) كناية عن حلاوة الجماع، قال ثعلب: شبه لذة الجماع بالعسل، فاستعار لها الذوق، وإنما أنث؛ لأنه أراد قطعة من العسل، وقيل: إنه أنث على معنى القطعة.
          (إلا هنةً) مخففة النون ومشددة، كذا ذكره الهروي، وقيل: هي كلمة يكنى عن الشيء لا يذكره باسمه. وقال السفاقسي: إن لم يطأها إلا مرة، يقال: هنى إذا غشي امرأته، انتهى كلام الزركشي.
          أقول:
          قوله: (هدبة الثوب) هو طرفه الرخو، الهداب، واستعارت ذلك كناية عن ذكره، وأراد بالعسيلة الجماع نفسه استعارة كما استعارت بحلاوة العسل.
          قوله: (عبد الرحمن بن الزبير) هو الزبير بن باطا، وقيل: ابن باطيا، وكان عبد الرحمن صحابيًّا، والزبير قتل يهودياً في غزوة بني قريظة، ذكره ابن عبد البر.