مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب قصة فاطمة بنت قيس

          ░41▒ باب قصة فاطمة بنت قيس
          وقوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ}الآية [الطلاق:1].
          ثم ذكر بإسناده عن يحيى بن سعيد... إلى آخره.
          ثم روي من حديث عائشة أنها قالت: ما لفاطمة... الحديث.
          قال ابن عبد البر: حديث فاطمة هذا مروي من وجوه صحاح متواترة عنها، واختلف كما قال ابن المنذر في خروج المبتوتة بالطلاق من بيتها في عدتها، فمنعت من ذلك طائفة، روي ذلك عن ابن مسعود وابن عمر وعائشة، ورأى سعيد بن المسيب والقاسم وسالم وأبو بكر بن عبد الرحمن وخارجة بن زيد وسليمان بن يسار أن تعتد في بيت زوجها حيث طلقها، وحكى أبو عبيد هذا القول عن مالك والثوري والكوفيين أنهم كانوا يرون ألا تبيت المبتوتة والمتوفى عنها إلا في بيتها.
          وفيها قول آخر أن المبتوتة تعتد حيث شاءت، روي ذلك عن ابن عباس وجابر وعطاء وطاوس والحسن وعكرمة، وقال أحمد وإسحاق: تخرج المطلقة ثلاثاً _على طريق فاطمة_ ولا سكنى لها ولا نفقة.
          قال ابن المنذر: وإنما اختلف في خروج المطلقة ثلاثاً من بيتها، أو مطلقة لا رجعة للزوج عليها. فأما من له عليها رجعة فتلك في معاني الأزواج، وكل من أحفظ عنه العلم يرى لزوجها منعها من الخروج، حتى تنقضي عدتها؛ لقوله تعالى: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ}الآية [الطلاق:1]. وكان مالك يقول: المتوفى عنها زوجها تزور وتقيم إلى قدر ما يهدأ الناس بعد العشاء، ثم تنقلب إلى بيتها، وهو قول الليث والشافعي وأحمد.
          وقال أبو حنيفة: تخرج المتوفى عنها نهاراً، ولا تبيت عن بيتها، ولا تخرج المطلقة ليلاً ولا نهاراً، وفرقوا بينهما. فقالوا: المطلقة لها السكنى عندنا، والنفقة في عدتها على زوجها، فذلك يغنيها عن الخروج، والمتوفى عنها لا نفقة لها، فلها أن تخرج في بياض النهار وتبتغي من فضل ربها.
          وقال محمد: لا تخرج المطلقة ولا المتوفى عنها ليلاً ولا نهاراً في العدة. وقالت طائفة: المتوفى عنها تعتد حيث شاءت. روي هذا عن علي وابن عباس وجابر وعائشة وعن عطاء والحسن. قال ابن عباس: إنما قال الله تعالى: تعتد أربعة أشهر وعشراً، ولم يقل تعتد في بيتها، فتعتد حيث شاءت، وقام الإجماع على أن الرجعية تستحق السكنى والنفقة؛ إذ حكمها حكم الزوجات في جميع أمورها.
          واختلف في وجوب السكنى والنفقة للمطلقة ثلاثاً إذا لم تكن حاملاً، فقالت طائفة: لا فيهما على نص حديث الباب. وروي عن علي وابن عباس وجابر، وبه قال أحمد وإسحاق وأبو ثور. وممن قال لا نفقة للمبتوتة إبراهيم في رواية، والحسن وعكرمة وسعيد بن جبير وعروة، وخالف ذلك جابر بن عبد الله والحسن وعطاء والشعبي وشريح القاضي والحكم وحماد وإبراهيم.
          وقالت أخرى: للمبتوتة السكنى دون النفقة. روي عن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار وعطاء والشعبي والحسن، وهو قول مالك وابن أبي ليلى والليث والأوزاعي والشافعي.
          وقالت طائفة ثالثة: لكل مطلقة السكنى والنفقة ما دامت في العدة حاملاً كانت أو غير حامل، مبتوتة كانت أو رجعية. هذا قول الثوري والكوفيين، وروي عن عمر وابن مسعود.
          وقول (خ): ((ورواه ابن أبي الزناد...)) إلى آخره وهو ثابت في بعض النسخ هنا، وفي رواية أبي ذر أيضاً، وفي أكثرها / آخر الباب بعده، وقد أخرجه (د) عن سليمان بن داود: أنا ابن وهب: أخبرني عبد الرحمن فذكره، وهو ابن أبي الزناد عبد الرحمن بن عبد الله بن ذكوان. قال ابن حزم: هذا حديث باطل؛ لأنه من رواية ابن أبي الزناد، وهو ضعيف وأول من ضعفه جداً مالك، قال: وهو يرد حديث ابن إسحاق؛ لأنه إن كان أخرجها من أجل لسانها فقد بطل هذا الذي علل به هنا: أنها كانت في مكان وحش.
          قال ابن حزم: لم يصح في وجوب السكنى للمتوفى(1) أثر أصلاً، والمنزل إنما يكون ملكاً للميت أو لغيره، فإن كان لغيره وهو مكرى أو مباح فقد بطل العقد بموته، وإن كان ملكاً للميت فقد صار للغرماء والورثة أو للوصية، فلا يحل لها ذلك؛ لما ذكرناه، وإنما لها مقدار ميراثها إن كانت وارثة فقط، وقول عائشة لمروان: ((اتق الله وارددها إلى بيتها)) معناه: أنها أنكرت على مروان إخراج المطلقة من بيتها؛ حتى تتم عدتها. وقول مروان [في] حديث سليمان بن عبد الرحمن: غلبني؛ أي: بالحجة؛ لأنه احتج بالشر الذي كان بينها، فكانت لفاطمة بنت قيس.
          وفيه: موعظة الإمام وأنه إذا تبين له الحق فيما حكم فيه لا يرجع إلى قول غيره. وقول عائشة: ((لا يضرك أن لا تذكر حديث فاطمة)) تقول: إنها خصت بعذر فاحتج مروان بأن العذر وهو بذاءة اللسان موجود في هذين.
          وقولها لفاطمة: ((ألا تتقي الله)) يعني: في قولها: لا سكنى ولا نفقة. قال الخطابي: وفي حديثها: أن لها السكنى. يريد: اعتدادها عند ابن أم مكتوم، ثم إنه ذهب عليها معرفة السبب في نقلها فتوهمت إبطال سكناها فقالت عند ذلك لم يجعل لي النفقة ولا السكنى، فكان إخبارها عن أحد الأمرين علماً، وعن الآخر وهماً، وهو السكنى، وبين ذلك ابن المسيب أنها كانت لسنة فاستطالت على أحمائها فنقلت لذلك.


[1] في هامش المخطوط: في (ط): ((عنها)).