مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب اللعان

          ░25▒ باب اللعان وقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ}الآية [النور:6]
          فإذا قذف الأخرس امرأته... إلى آخره. وقال بعض الناس: لا حد ولا لعان. ثم زعم إن طلق بكتاب... إلى آخره.
          اللعان مصدر لاعن يلاعن لعاناً، وإطلاق اللعان في جانب المرأة من مجاز التغليب، فإن الغضب أشد من اللعن؛ لأن اللعن الإبعاد، وقد يبعد من لا يغضب عليه، وهو مشتق من اللعن: وهو الطرد أو الإبعاد، لبعدهما من / الرحمة، أو لبعد كل منهما عن الآخر فلا يجتمعان أبداً، والمغلب على اللعان حكم اليمين عندنا على الأصح، وهو في الشرع: كلمات معلومة جعلت حجة للمضطر إلى قذف من لطخ فراشه وألحق به العار، والأصل فيه الآية المذكورة، نزلت في شعبان سنة تسع في عويمر العجلاني منصرفه من تبوك، أو في هلال بن أمية، وعليه الجمهور.
          وخالف ابن أبي صفرة فقال: إنه خطأ، وإنما هو في عويمر، قال: وأظن الغلط فيه من هشام بن حسان، وكذا قاله الطبري. ولعلهما تقاربتا فنزل فيهما أو تكرر النزول ورماها عويمر بن الحارث بن زيد بن الجد بن العجلان الأحدي بشريك بن السحماء وهي أمة، قيل لها ذلك لسوادها، قاله ابن المنذر.
          وقال غيره: هي بنت عبد الله اللتبية. وقال آخرون: هي يمانية، وهو شريك بن عبد الله بن مغيث بن الجد بن العجلان ولم تكن بالمدينة بعد رسول الله لعان إلا في أيام عمر بن عبد العزيز، وليس لنا يمين متعدد إلا هو والقسامة(1)، ولا يمين في جانب المدعي إلا فيها.
          واختلف في لعان الأخرس ومدته، فقال مالك وأبو ثور: يلاعن الأخرس إذا عقل الإشارة، وفهم الكتابة، وعلم ما يقوله، وفهم منه، وكذلك الخرساء تلاعن أيضاً بالكتاب. وقال الكوفيون: لا يصح قذفه ولا لعانه، فإذا قذف الأخرس امرأته بإشارة لم يحد ولم يلاعن، وكذلك لو قذف بكتاب، وروي مثله عن الشعبي، وبه قال الأوزاعي وأحمد وإسحاق.
          وذكر (خ) في الباب أحاديث دالة على ما ذكره من الإشارة:
          1- حديث يحيى بن سعيد الأنصاري عن أنس قال النبي صلعم: ((ألا أخبركم بخير دور الأنصار...)) الحديث.
          2- حديث سهل بن سعد الساعدي: قال رسول الله: ((بعثت أنا والساعة...)) الحديث.
          3- حديث ابن عمر السالف في الصوم: ((الشهر هكذا)).
          4- حديث أبي مسعود عقبة بن عمرو: ((أشار النبي صلعم بيده...)).
          5- حديث سهل قال: قال رسول الله: ((أنا وكافل اليتيم...)) الحديث.
          وقد ظهر لك أن المراد ببعض الناس هو أبو حنيفة، وخالفه مالك والشافعي. واحتجاج (خ) عليه بين. والفدادون جمع فداد وهو: الشديد الصوت من الفديد، وذلك من دأب أصحاب الإبل ومن يعالجها من أهلها، هذا على رواية تشديد الدال، وزنه فعالاً عينه دال ولامه دال من فد يفد إذا رفع صوته، فجمعه فعالون، وقيل: هو جمع فدان _وهو آلة الحرث والسكة وأعواده_ على رواية التخفيف يريد: أهل الحرث، وإنما ذم ذلك لأنه يشتغل عن أمر الدين ويلهى عن الآخرة، فيكون معها قساوة القلب، فالجمع على الأول فعالين الياء والنون زائدتان، الياء حرف إعراب والنون مفتوحة عوض من الحركة، والتنوين عند أكثر النحاة، وعلى الثاني: جمع فعاليل: النون منه من نفس الكلمة، وهي لامه وهي مكسورة لأجل حرف الجر.
          وقال أبو عبد الله القزاز: الفدادين من أهل الوبر أصحاب الإبل الذين تبلغ إبل أحدهم المائتين فأكثر إلى الألف، فإذا بلغ ماله ذلك فهو فداد، وهم مع هذا جفاة ذوو إعجاب بأنفسهم.
          وقال ابن فارس: هم أهل الحرث والمواشي.
          قوله: (أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا) يريد أن منزلته قريب من منزلته ليس قريب من منزلته ليس بينهما منزلة.


[1] في هامش المخطوط: ((أقول: في القسامة ليس بعدد إنما الحالف متعدد بخلاف اللعان)).