مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب شفاعة النبي في زوج بريرة

          ░16▒ باب شفاعة النبي صلعم في زوج بريرة
          فيه حديث ابن عباس أن زوج بريرة كان عبداً... الحديث.
          هو مطابق لما ترجم له، وهو استشفاع الإمام والعالم والخليفة في الحوائج، والرغبة إلى أهلها في الإسعاف لسائلها، وأن ذلك من مكارم الأخلاق، وقد قال ◙: ((اشفعوا تؤجروا... الحديث)).
          وفيه: أن الساعي مأجور وإن لم تنقض الحاجة، طبق ما أوردناه، وأنه لا حرج على الإمام والحاكم إذا ثبت الحق على أحد الخصمين، إذا سأله الذي ثبت عليه الحق أن يسأل من ثبت ذلك له تأخير حقه أو وضعه عنه، وأن يشفع له في ذلك إليه، وذلك أنه ◙ شفع إلى بريرة وكلمها بعد تأخيرها وأعلمها ما لها من القرار تحته أو الفراق، فقال: ((لو راجعتيه)).
          وفيه: أنه من سئل من الأمور ما هو غير واجب عليه فعله فله رد سائله وترك قضاء حاجاته وإن كان الشفيع سلطاناً أو عالماً أو شريفاً؛ لأنه ◙ لم ينكر على بريرة ردها إياه فيما شفع فيه، وليس أحد من الخلق أعلى رتبة من رسول الله، فغيره من الخلق أحرى أن لا يكون منكراً رده فيما شفع فيه.
          وفيه: أن بغض الرجل للرجل المسلم على وجه كراهة قربه والدنو منه على غير وجه العداوة له، ولكن اختياراً للبعد منه لسوء خلقه، وخبث عشرته، وثقل ظله، أو لغير ذلك مما يكره الناس بعضهم من بعض جائز، كالذي ذكر من بغضة امرأة ثابت بن قيس بن شماس له مع مكانه من الدين والفضل لغير بأس، لكن دمامة خلقه وقبحه، حتى افتدت منه وفرق الشارع بينهما، ولم ير أنها أتت مأثماً، ولا ركبت معصية بذلك، بل عذرها وجعل لها مخرجاً من المقام معه، وسبيلاً إلى فراقه، ولم يذمها على بغضها له على قبحه وشدة سواده، وإن كان ذلك جبلة وفطرة خلق عليها.
          وفيه: أنه لا بأس بالنظر إلى المرأة التي يريد خطبتها، وإظهار رغبته فيها، وذلك أنه ◙ لم ينكر على زوج بريرة، وقد اختارت نفسها وبانت منه إتباعه إياها في سكك المدينة باكياً على فراقها، وإن ظن أحد أن ذلك قبل اختيار بريرة نفسها، فقوله: ((لو راجعتيه)) يدل أن ذلك كان بعد بينونتها، لقال لها: لو اخترتيه.
          ولا خلاف بين الجميع أن المملوكة إذا عتقت وهي تحت زوج فاختارت نفسها أنها لا ترجع إلى الزوج الذي كانت تحته إلا بنكاح جديد غير النكاح الذي كان بينها وبينه قبل اختيارها نفسها. فعلم أن قوله ◙: ((لو راجعتيه)) معناه: غير الرجعة التي تكون بين الزوجين في طلاق يكون للزوج فيه الرجعة، ولو كان ذلك معناه لكان / ذلك إلى زوج بريرة دونها، ولم يكن لزوجها حاجة أن يستشفع برسول الله في أن تراجعه.
          وفيه: أنه لا حرج على مسلم في هوى امرأة مسلمة وحبه لها، ظهر ذلك أو خفي، ولا إثم عليه في ذلك، وإن أفرط فيه ما لم يأت محرماً، وذلك أن مغيثاً كان يتبعها بعد ما بانت منه في سكك المدينة، مبدياً لها ما يجد في نفسه من فرط الهوى وشدة الحب، ولو كان هذا قبل اختيارها نفسها لم يكن ◙ يقول لها: ((لو راجعتيه)) لأنه لا يقال لامرأة في حبال رجل وملكته بعصمة النكاح: لو راجعتيه، وإنما يسأل المراجعة المفارق لزوجته. وإذا صح ذلك فغير ملوم من ظهر منه فرط هوى امرأة يحل له نكاحها، نكحته بعد ذلك أم لا، ما لم يأت محرماً.
          وفيه: أنه من بانت منه زوجته بخلع أو بفدية، بما تكون المرأة فيه أولى بنفسها من زوجها ولا رجعة له عليها أنه يجوز له خطبتها في عدتها، ولا بأس على المرأة بإجابته إلى ذلك؛ لأنه ◙ شفع إلى بريرة، وخطبها على زوجها الذي بانت منه، بصريح الخطبة التي هي محظورة في العدة، ولو أن غيره كان الراغب فيها لما جاز له التصريح بالخطبة.
          وفيه: أن أمره مخالف لشفاعته، فأمره للوجوب بخلاف شفاعته.