مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب المتعة للتي لم يفرض لها

          ░53▒ باب المتعة للتي لم يفرض لها
          لقوله تعالى: {لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاء}الآية [البقرة:236].
          ثم ساق حديث ابن عمر السالف.
          واختلف في المتعة، فقالت طائفة: هي واجبة للمطلقة التي لم يدخل بها ولم يسم لها صداقاً، روي ذلك عن ابن عباس وابن عمر، وهو قول عطاء والشعبي والنخعي والزهري، وبه قال الكوفيون، ولا يجمع مهر مع المتعة.
          قال الحنفيون: فإن دخل بها ثم طلقها فإنه يمتعها ولا يجبر عليه هنا، وهو قول الثوري، وابن حي، والأوزاعي، قال أبو عمر: وقد روي عن الشافعي مثل قول أبي حنيفة بعد ذلك. وقالت طائفة: لكل مطلقة متعة، مدخولاً بها كانت أو غير مدخول بها، إذا وقع الفراق من قبله ولم يتم إلا به، إلا التي سمى لها، وطلقها قبل الدخول، وكذلك امرأة العنين، وهو قول الشافعي وأبي ثور.
          وروي عن علي: لكل مطلقة متعة. ومثله عن الحسن وسعيد بن جبير وأبي قلابة وطائفة، وقالت طائفة: المتعة ليست بواجبة في موضع من المواضع. وهو قول ابن أبي ليلى وربيعة، وهو قول مالك والليث وابن أبي سلمة.
          قال ابن عبد البر: لم يختلف العلماء أن المتعة المذكورة في القرآن غير مقدرة ولا محدودة ولا معلوم مبلغها ولا يوجب قدرها، بل هي كما قال تعالى: {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدْرُهُ} [البقرة:236] وإنما اختلفوا في وجوبها: فروى مالك أنه بلغه أن عبد الرحمن بن عوف طلق امرأته ومتعها بوليدة، ومتع الحسن بن علي زوجته بعشرة آلاف فقالت: متاع قليل من حبيب مفارق، ومتع شريح بخمسمائة درهم، وعروة بخادم، وقال قتادة: المتعة جلباب ودرع وخمار، وإليه ذهب أبو حنيفة، وعن ابن عمر ثلاثون درهماً.
          وقول (خ): ((ولم يذكر النبي صلعم للملاعنة متعة حين طلقها)) حجة لمن قال: لكل مطلقة متعة، والملاعنة غير داخلة في جملة المطلقات، فلا متعة لها عند مالك والشافعي.
          قال مالك: لا متعة في كل نكاح مفسوخ، والملاعنة عندهم كالفسخ، وكل فرقة كانت من قبل المرأة قبل البناء وبعده فلا متعة فيها، وأوجب الشافعي للمختلعة والمقاربة متعة.
          وقال أصحاب مالك: كيف يكون للمفتدية متعة، وهي تعطي؟ فكيف تأخذ متاعاً؟
          قال ابن المنذر: وقوله: {لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ}الآية [البقرة:236] دليل على إباحة نكاح المرأة ولا يفرض لها صداقاً لم يفرض لها إن مات أو دخل عليها مهر مثلها.
          واختلف إن مات ولم يفرض لها، فقالت طائفة: لها مهر مثلها ولها الميراث / وعليها العدة. روي هذا عن ابن مسعود، وبه قال ابن أبي ليلى والثوري والكوفيون وأحمد وإسحاق وأبو ثور. وقالت طائفة: لها الميراث، وعليها العدة، ولا مهر لها.
          روي هذا عن علي وزيد بن ثابت وابن عباس وابن عمر، وبه قال مالك والأوزاعي، وللشافعي قولان، أظهرهما الأول.
          وقول (خ): ((للتي لم يفرض لها)) قال ابن التين: يريد به من فرض لها حسبها نصف صداقها. قال: وهذا قول ابن عمر وابن المسيب ومالك. قال: ومعنى: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة:237] أي: مع المتعة.
          قال والدي ⌂:
          (باب مهر البغي) فعيل من البغاء وهو الزنا يستوي فيه المذكر والمؤنث أو فعول.
          قوله: (محرمة) بلفظ فاعل الإحرام، وبلفظ مفعول التحريم، وبلفظ المحرم بفتح الميم والراء المضاف، وقال الحسن البصري أولاً: لها صداقها المسمى، ثم قال بعد ذلك: لها صداق مثلها، و(أبو بكر بن عبد الرحمن) هو راهب قريش، و(أبو مسعود) هو عقبة _بسكون القاف_ البدري، و(الحلوان) بضم المهملة، هو ما يعطي على الكهانة، و(الكاهن) هو الذي يدعي علم الغيب ويخبر الناس بالكوائن، وسمي ما تأخذه الزانية على الزنا مهراً؛ لكونه على صورته.
          قوله: (عون) بفتح المهملة وبالنون (ابن أبي جحيفة) مصغر الجحفة _بالجيم والمهملة والفاء_ اسمه وهب الكوفي، و(الواشمة) من الوشم _بالمعجمة_ وهو أن يغرز الجلد بالإبرة ثم يحشى بالكحل، و(المستوشمة) التي تسأل أن يفعل بها ذلك، و(الموكل) المطعم، والمراد من الآكل الآخذ كالمقرض ومن الموكل معطيه كالمستقرض، وإنما سوى في الإثم بينهما وإن كان أحدهما رابحاً، والآخر خاسراً؛ لأنهما في فعل الحرام شريكان متعاونان، ومر الحديث في البيع.
          قوله: (علي بن الجعد) بفتح الجيم وإسكان المهملة الأولى، و(محمد بن جحادة) بضم الجيم وخفة المهملة الأولى الأيامي بالتحتانية الخفيفة، و(أبو حازم) بالمهملة والزاي، سلمان الأشجعي ويراد بكسب الإماء ما يأخذنه على الزنا، والقرينة عرف الجاهلية.
          قوله: (كيف الدخول) غرضه [الاختلاف] الذي بين العلماء في أن الدخول بم يثبت فقال أبو حنيفة وأحمد: إذا أغلق باباً وأرخى ستراً على المرأة فقد وجب الصداق والعدة، إذ الغالب وقوع الجماع فيه لما ركب الله في النفوس من الشهوة فأقيم المظنة مقام المظنون، وهذا يسمى بالخلوة الصحيحة.
          وقال مالك والشافعي: لا يجب الصداق إلا بالمسيس؛ أي: الجماع لقوله تعالى: {وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة:238] ولا تعرف الخلوة دون الوطء مسيساً؛ ولقوله صلعم: ((بما استحللت من فرجها)).
          قوله: (قبل الدخول أو المسيس) ذكر اللفظين كليهما إشارة إلى المذهبين الاكتفاء بالخلوة والاحتياج إلى الجماع، قال ابن بطال: قول (خ) في الترجمة أو طلقها قبل الدخول تقديره أو كيف طلقها فاكتفى بذكر الفعل عن ذكر المصدر لدلالته عليه.
          قوله: (عمرو بن زرارة) بضم الزاي وتخفيف الراء الأولى، النيسابوري، و(العجلاني) بفتح المهملة وإسكان الجيم، مر الحديث في اللعان.
          قال شارح التراجم: استنبط من منطوق حديث العجلاني من لفظ فقد دخلت بها كمال المهر بالدخول، ومن مفهومه عدم الكمال / وعلم النصف من القرآن.
          قوله: (الملاعنة) بالفتح وبالكسر، والأول أعم لأن لعان الزوجة لدفع الحد فلا يكون إلا بعد لعان الزوج فتكون دافعة، فكل فاعلة مفعولة بدون العكس، قال الشافعي: المتعة لزوجة مفارقة لا يكون الفراق بسبيها ولا مهر لها أو لها كل المهر.
          وقال ابن بطال: قال أبو حنيفة: المتعة للمطلقة التي لم يدخل بها ولم يسم لها صداقاً، وقال مالك: المتعة ليست بواجبة أصلاً لأحد، والمفهوم من كلام (خ) أن لكل مطلقة متعة، والملاعنة غير داخلة في جملة المطلقات تم كلامه.
          فإن قلت: لفظ طلقها صريح في أنها مطلقة؟ قلت: تقدم أن الفراق حاصل بنفس اللعان حيث قال: فلا سبيل لك عليها، وتطليقه لم يكن بأمر النبي صلعم، بل كان كلاماً زائداً صدر منه تأكيداً.
          قوله: (عمرو) هو ابن دينار، فإن قلت: حيث قال ((وأبعد)) لا بد فيه من بعد وزيادة، وتكرارها؟ قلت: البعد هو لأنه يطلب [المال] بعد استيفاء ما يقابله وهو الوطء والزيادة؛ لأنه ضم إيذاءها بالقذف إليه الموجب للانتقام عنه لا للإنعام إليه، والتكرار لأنه أسقط الحد الموجب لتشفي المقذوف عن نفسه باللعان.
          الزركشي:
          (البغي) بكسر الغين وتشديد الياء: الزانية.
          (وقال الحسن: إذا تزوج محرمة) بفتح الميم وسكون الحاء وفتح الراء والميم بعدها وهاء الضمير مضمومة؛ يريد ذات محرم، ومنهم من يقول: <محرمة> بتشديد الراء، وهي رواية الأصيلي عن أبي زيد.
          (آكل الربا) بمد الهمزة اسم فاعل بمعنى أخذ.
          (وموكله) معطيه، ويصح ((أكل)) بسكون الكاف بمعنى اسم الفعل. انتهى كلام الزركشي.
          أقول:
          قوله: (الواشمة والمستوشمة) ويروى: ((المؤتشمة)) وقد سلف معنى الوشم والمستوشمة والمؤتشمة التي يفعل بها ذلك.
          و(آكل الربا وموكله) أي: مطعمه، و(كسب البغي) البغي هي المرأة السوء الزانية، وجمعه: بغايا.
          (والمصورين اللذين يعملون الصور، وكسب البغي) المراد كسبها بالزنا، وأما كسبها بغير ذلك فغير منهي عنه.
          قوله: (مالي) مراده: ما دفعه إليها من الصداق فقال: إن كنت صادقاً فقد دخلت بها؛ أي: وطئتها، وروي: ((فهو بما استحللت من فرجها)) وإن كنت كاذباً فهو أبعد ملك؛ أي: فأحق أن لا يأخذ شيئاً لاستحلاله فرجها، ورادها الكذب عليها بما قذفها به.
          أقول: و(ظفار) بفتح أوله والبناء على الكسر، كقطام وجذام مدينتان باليمن إحداهما قرب صنعاء ينسب إليها الجزع الظفاري، بها كان مسكن ملوك حمير، وقيل: ظفار هي مدينة صنعاء نفسها، وظفار اليوم مدينة على ساحل بحر الهند بينها وبين مرباط خمس فراسخ من أعمال الشجر، قريبة من صحار ومرباط هي المرسى دون ظفار، واللبان لا يوجد إلا بحبال ظفار من شجر مسيرة ثلاثة أيام في مثلها، قاله ياقوت / .