مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب الخلع

          ░12▒ باب الخلع وكيف الطلاق فيه؟
          وأجاز عمر الخلع... إلى آخره.
          ثم ساق حديث خالد، عن عكرمة، عن ابن عباس: ((أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي صلعم... الحديث)). ثم ساق عن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: ((جاءت امرأة ثابت بن قيس إلى رسول الله صلعم... الحديث)).
          وفي إسناده قراد أبو نوح، وقراد لقب، واسمه عبد الرحمن بن غزوان مولى خزاعة، سكن بغداد، ومات سنة سبع ومائتين.
          هذا الحديث من أفراد (خ)، وتعليق إبراهيم أخرجه (ن)، عن أزهر بن جميل، عنه، والخوف في الآية: بمعنى: اليقين، كما قاله أبو عبيد. قال الزجاج: ويشبه عندي أن لا يكون الغالب عليهما الخوف، و{يَخَافَا} [البقرة:229] الرجل والمرأة، كما قاله الفراء، وقرأ الأعمش وحمزة بضم الياء، وعبد الله: إلا أن يخافوا وأثر عمر أخرجه ابن أبي شيبة، عن شعبة. وقال الحسن: لا يكون الخلع دون السلطان.
          قال ابن أبي عروبة: قلت لقتادة: عمن أخذ الحسن ذلك؟ قال: عن زياد، وكان والياً لعلي وعمر، دليله: القراءتان الآخرتان، ودليل الجماعة القراءة الأولى. وأثر طاوس أخرجه ابن أبي شيبة أيضاً، وأخرجه (ق) من حديث ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن عكرمة، عنه، أن جميلة بنت سلول.. الحديث. فأمره أن يأخذ منها حديقته ولا يزداد. وله أيضاً من حديث حجاج، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: كانت حبيبة بنت سهل تحت ثابت، وكان رجلاً دميماً، فقالت: والله يا رسول الله لولا مخافة الله لبصقت في وجهه، فقال: ((أتردين عليه حديقته؟)).. الحديث. وهذا قول ثان في اسمها حبيبة لا جميلة، وكذا سماها ابن وهب في ((موطآته)) عن مالك، عن يحيى، عن عمرة، عن حبيبة.
          وذكر عبد الرزاق، عن معمر قال: بلغني أنها قالت لرسول الله: بي من الجمال ما ترى، وثابت رجل دميم.
          وروى معتمر بن سليمان بسنده عن ابن عباس: أول خلع كان في الإسلام أن أخت عبد الله بن أبي قالت: يا رسول الله، ثابت لا يجتمع رأسي ورأسه أبداً، إني رفعت جانب الخباء فرأيته / أقبل في عدة، فإذا هو أشدهم سواداً، وأقصرهم قامة، وأقبحهم وجهاً. فقال: ((أتردين عليه حديقته؟)) قالت: نعم، وإن شاء زدته. ففرق بينهما.
          وللنسائي من حديث الربيع بنت معوذ قالت: اختلعت من زوجي، ثم جئت عثمان فسألت: ماذا علي من العدة؟ فقال: لا عدة عليك، إلا أن يكون حديث عهد بك فتمكثين عنده حتى تحيضي حيضة. قالت: وإنما تبع في ذلك قضاء رسول الله في مريم المغالية. وكانت تحت ثابت بن قيس فاختلعت منه. وفي اسمها قول ثالث أنها سهلة بنت حبيب، ذكره ابن الجوزي عن بعض الروايات، قاله بعد ذكره حبيبة بنت سهل، وأما ابن سعد، فقال: جميلة بنت عبد الله بن أبي بن سلول، وكانت تحت حنظلة، فلما قتل عنها خلف عليها ثابت، فولدت له محمداً _قتل يوم الحرة_ قال: هي أخت عبد الله بن عبد الله بن أبي لأبيها وأمها، ثم ذكر ابن سعد أن حبيبة بنت سهل النجارية هي المختلعة من ثابت، وكان ◙ قد هم أن يتزوجها، وهي جارية.
          وفي ((الاستيعاب)): رواية البصريين: المختلعة: جميلة بنت أبي. ورواية أهل المدينة: هي حبيبة بنت سهل بن ثعلبة الأنصاري. قال: وجائز أن تكون حبيبة وجميلة بنت أبي اختلعتا من ثابت. وزعم ابن الأثير أنها جميلة بنت أبي، لا ابنة عبد الله، هذا هو الصحيح. وقال الدمياطي: جميلة بنت عبد الله هو الصواب، لا أخته كما وقع في (خ) وليس كما قال؛ لأنها إذا كانت أخت عبد الله فهي ابنة عبد الله، فعبد الله أخوها هو ابن عبد الله، فعلى هذا هي أخت عبد الله وابنة عبد الله، توضحه رواية (ن) فأتى أخوها عبد الله يشتكيه إلى رسول الله، ووقع في (ق): جميلة بنت سلول، وكذا في كتاب ابن أبي شيبة، وكذا سماها الطبراني في ((معجمه)) من حديث قتادة عن عكرمة، عن عبد الله، وهو صحيح؛ فإنه نسبه إلى جدها الأعلى المشهور.
          ومن عادة العرب النسبة إلى الأب المشهور، والرب جل جلاله حرم على الزوج أن يأخذ من امرأته شيئاً مما أعطاها الله إلا بعد الخوف الذي ذكره، ثم أكد الله ذلك بتغليظ الوعيد على من تعدى أو خالف أمره، فقال تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ [اللّهِ] فَلاَ تَعْتَدُوهَا} [البقرة:229]. وبمعنى الكتاب جاءت السنة في جميلة المذكورة. وهو أول خلع جرى في الإسلام، وهو أصل الخلع وعليه جمهور العلماء.
          قال مالك: لم أزل أسمع ذلك من العلماء، وهو الأمر المجمع عليه عندنا أن الرجل إذا لم يضر بالمرأة ولم يسئ إليها، ولم تؤت من قبله، وأحبت فراقه، فإنه يحل له أن يأخذ منها كل ما افتدت به كما فعله الشارع في هذه المرأة، وإن كان النشوز من قبله بأن يضربها ويضيق عليها، رد عليها ما أخذه منها روي هذا عن ابن عباس وعامة السلف، وبه قال الثوري وإسحاق وأبو ثور.
          وقال أبو حنيفة: إن كان النشوز من قبله لم يحل له أن يأخذ مما أعطاها شيئاً ولا يزاد، فإن فعل جاز في القضاء. وروى ابن القاسم عن مالك مثله، وهذا القول خلاف ظاهر كتاب الله وسنة رسوله في امرأة ثابت، وإنما فيه أخذ الفدية من الناشز لزوجها، إذا كان لنشوزها كارهاً، وإن كانت الإساءة من قبله لم يجز له أن [يأخذ] منها شيئاً لقوله تعالى: {وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ}الآية [النساء:20]. قال مجاهد: مجامعة النساء. والميثاق الغليظ: كلمة للنكاح التي يستحل بها فروجهن، فجعله ثمناً للإفضاء.
          ويروى عن ابن سيرين أنه قال: لا يحل للزوج الخلع حتى يجد على بطنها رجلاً، وهذا خلاف الحديث. وترجمته بالخلع وكيف الطلاق فيه، كأن مراده بهما بيان الخلع وأنه طلقة بائنة. واختلف العلماء في البينونة بالخلع على قولين:
          1- وروي عن عثمان وعلي وابن مسعود أنه تطليقة بائنة إلا أن تكون سمت ثلاثاً، فهي ثلاث، وهو قول مالك والثوري والكوفيين والأوزاعي، وأحد قولي الشافعي.
          2- أنه فسخ وليس بطلاق إلا أن ينويه. روي عن ابن عباس وطاوس وعكرمة، وبه قال / أحمد وإسحاق وأبو ثور، وهو قول الشافعي الآخر. واحتج في أنه ليس بطلاق؛ لأنه مأذون فيه لغير قبل العدة بخلاف الطلاق. قال ابن عباس: قال تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ} [البقرة:228] وقال: {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة:229] واحتج من جعله طلاقاً بقوله في الحديث: فردت الحديقة وأمره بفراقها. فصح أن فراق الخلع طلاق. وقال الطحاوي: روي عن عمر وعلي أن الخلع طلاق.
          وعن عثمان وابن عباس أنه ليس بطلاق، وأجمعوا أنه لو أراد به الطلاق لكان طلاقاً، ولما كان تقع به الفرقة عند الجميع بغير نية علم أنه ليس كالمكني الذي يحتاج إلى نية، وعلم أنه طلاق. وقال الشافعي: فإن قيل: فإذا جعلته طلاقاً فاجعل فيه الرجعة. قيل له: لما أخذ من المطلقة عوضاً، كان كمن ملك عوضاً بشيء خرج عن ملكه، فلم يكن له رجعة فيما يملك عليه، وكذلك المختلعة.
          واختلف في الخلع بأكثر مما أعطاها، فقالت طائفة: لا يجوز له الخلع بأكثر من صداقها هذا قول عطاء وطاوس، وكره ذلك ابن المسيب والشعبي والحكم. وقال الأوزاعي: كانت القضاة لا يجيزون أن يأخذ منها أكثر مما ساق إليها، وبه قال أحمد وإسحاق. قالوا: وهو ظاهر حديث ثابت؛ لأن امرأته إنما ردت عليه حديقته فقط، وحكاه ابن التين عن أهل الكوفة. وقالت طائفة: يجوز أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها، وهو مذهب عثمان وابن عمر وقبيصة والنخعي، وبه قال مالك وأبو حنيفة والشافعي وأبو ثور. وقال مالك: يجوز أن يأخذ منها أكثر مما ساق إليها، وليس من مكارم الأخلاق.
          ومعنى قول (خ): (وأجاز عثمان الخلع دون عقاص رأسها) يعني: أن يأخذ منها كل مالها إلى أن يكشف رأسها ويترك لها قناعها وشبهه، بما لا كبير قيمة له. وقد قال: اخلعها ولو من قرطها.
          قوله: (وأجاز عمر الخلع دون [السلطان) هو] قول الجمهور إلا الحسن وابن سيرين، فإنهما قالا: لا يكون إلا عند السلطان. وقال قتادة: إنما أخذه الحسن عن زياد، وكان والياً لعلي وعمر. وقال الطحاوي: روي عن عثمان وابن عمر جوازه دون السلطان، وكما جاز النكاح والطلاق دون السلطان كذلك الخلع.
          قال ابن عبد البر: أجمع الجمهور من العلماء أن الخلع والفدية والصلح كل ذلك جائز بين الزوجين في قطع العصمة بينهما. وأن كل ما أعطته على ذلك حلال له إذا كان مقدار الصداق فما دونه، وكان ذلك من [غير] إضرار بها، إلا بكر بن عبد الله فإنه شذ فقال: لا يحل له أن يأخذ شيئاً منها على حال من الأحوال.
          وقوله خلاف السنة الثابتة في أمر ثابت، فلا ينبغي لعالم أن يجعل شيئاً من القرآن منسوخاً إلا بتدافع يمنع من استعماله وتخصيصه، وإذا حمل قوله: {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة:229] أنه يرضى بها، وحمل قوله: {فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا} [النساء:20] على أنه بغير رضاها، صح استعمال الاثنين. وقد بينت السنة في قصة ثابت، وعليه جماعة العلماء، إلا من شذ عنهم ممن هو محجوج بهم؛ لأنه لا يجوز عليهم الإطباق والاجتماع على تحريف الكتاب العزيز، وجهل تأويله، وينفرد بعلم ذلك واحد غيرهم.
          قال ابن حزم: وطلاق الخلع رجعي إلا أن يطلقها ثلاثاً، أو آخر ثلاث، أو تكون غير موطوءة، ويجوز الفداء بجميع ما تملك، ولا يجوز بمال مجهول، فإن راجعها الزوج في العدة رد جميع ما افتدت به إلا أن يعلمها عند الافتداء أن طلاقها رجعي، فلا يرد لها شيئاً، هذا كلامه ولا يسلم له كونه رجعياً، ولا ما ذكره من الإعلام، وأما رد ما أخذ منها فإنما أخذه لئلا تكون في عصمته، فإذا أخذه على ما ذكر لئلا تكون في عصمته فأي رجعة له عليها؟.
          قال: وقالت طائفة: الخلع تطليقة، منهم عثمان. روينا من طريق حماد بن سلمة، عن هشام، عن أبيه، عن جمها، أن أم بكرة الأسلمية اختلعت من عبد الله بن أسيد، وكانت تحته، فندما فارتفعا إلى عثمان، فأجاز ذلك. فقيل: هي واحدة إلا إن سميت شيئاً فهو على ما سميته، ومن طريق ابن أبي شيبة بسنده عن ابن مسعود قال: لا تكون تطليقة بائنة إلا في فدية أو إيلاء. ومن طريق لا يصح عن علي / . وبهذا يقول الحسن وابن المسيب وعطاء وشريح ومجاهد والشعبي وقبيصة بن ذؤيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن والنخعي والزهري ومكحول وابن أبي نجيح وعروة والأوزاعي والثوري وأبو حنيفة والشافعي ومالك.
          قلت: أثر عثمان، أخرجه ابن أبي شيبة من طريق أبي معاوية، عن هشام، عن أبيه.
          ذكر الإمام أبو عبد الله محمد بن نصر المروزي في كتابه ((اختلاف العلماء)) عن سفيان وأصحاب الرأي ومالك والشافعي وأحمد: عدة المختلعة إن كانت ممن تحيض ثلاث حيض، وإن كانت قد أيست فثلاثة أشهر. وقال إسحاق وأبو ثور: عدتها حيضة. ونقل في هذا الكتاب عن سفيان وأصحاب الرأي ومالك أن الخلع تطليقة بائنة. وعن أحمد وإسحاق أنه فرقة وليس بطلاق، إلا أن يسمي طلاقاً، فإن سماه فهي بائن، وإن سمى أكثر فهو ما سمى. وعن الشافعي في آخر قوليه: إن نوى الخلع طلاقاً أو سماه فهو طلاق، أو سمى واحدة فهي بائنة، وإن لم ينو طلاقاً ولا شيئاً لم تقع فرقة.
          قال (ت): اختلف أهل العلم في عدة المختلعة فقال أكثر أهل العلم من الصحابة وغيرهم: عدتها عدة المطلقة. وهو قول الثوري وأهل الكوفة. وبه يقول أحمد وإسحاق. وقال بعض أهل العلم من الصحابة وغيرهم: عدتها حيضة.
          قول طاوس: ((ولم يقل قول السفهاء: لا يحل حتى تقول: لا أغتسل لك من جنابة)) أي: لم يقل طاوس قول السفهاء: لا يحل إلى آخره. يريد أن قول السفهاء: إن الخلع لا يحل حتى تقول المرأة ذلك؛ أي: تمنعه من أن يطأها. وظاهر ما في (خ) أن قوله: (ولم يقل) إلى آخره، من كلام (خ). ونقل غيره نص هذا الكلام عن ابن جريج، ويجوز أن يكون ظهر للبخاري ما قال ابن جريج فنسبه إلى نفسه، ذكره ابن التين.
          والحديقة: أرض ذات شجر، قاله ابن فارس. وقال الهروي: كل ما أحاط به البناء، وهي: البستان، ويقال للقطعة من النخل: الحديقة. وأثر عثمان يريد أنه يأخذ منها كل ما تملك دون العقاص، وهو الخيط الذي يعقص به أطراف الذوائب؛ أي: يضفر به.
          وحديث الباب يستدل به على جواز الاختلاع في الحيض؛ لأنه ◙ لم يسأل. وخالف فيه مالك في ((المختصر)) وأشهب في ((المدونة)).
          وجميلة بنت عبد الله بن أبي بن سلول، ولدت لثابت محمداً، قتل مع أخيه لأمه أمير الحرة عبد الله بن حنظلة الغسيل، ثم خلف عليها بعد ثابت مالك بن الدخشم، فولدت له الفريعة، ثم خلف بعده خبيب بن أساف، فولدت له أبا كثير عبد الله.