نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث: أقبلت فاطمة تمشي كأن مشيتها مشي النبي

          3623- 3624- (حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ) الفضل بن دُكين، قال: (أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّا) هو: ابنُ أبي زائدة (عَنْ فِرَاس) بكسر الفاء وتخفيف الراء وبعد الألف سين مهملة، ابن يحيى المُكتِب، وقد مرَّ في «الزكاة» [خ¦1420] (عَنْ عَامِرٍ) هو <الشَّعبي>، وفي بعض النُّسخ / لفظ الشَّعبي مذكور (عَنْ مَسْرُوقٍ) هو: ابنُ الأجدع (عَنْ عَائِشَةَ ♦) أنَّها (قَالَتْ: أَقْبَلَتْ فَاطِمَةُ) ♦ (تَمْشِي كَأَنَّ مِشْيَتَهَا) بكسر الميم لأنَّ فِعلة بالكسر للحالة، وبالفتح للمرَّة (مَشْيُ النَّبِيِّ صلعم ) بالرفع لأنَّه خبر «كأنَّ» بالتشديد، وكان صلعم إذا مشى كأنَّه ينحدرُ من صببٍ؛ أي: من موضعٍ مُنحدر.
          (فَقَالَ النَّبِيُّ صلعم : مَرْحَباً بِابْنَتِي ثُمَّ أَجْلَسَهَا عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ شِمَالِهِ) شكٌّ من الراوي (ثُمَّ أَسَرَّ إِلَيْهَا حَدِيثاً، فَبَكَتْ فَقُلْتُ لَهَا: لِمَ تَبْكِينَ؟ ثُمَّ أَسَرَّ إِلَيْهَا حَدِيثاً، فَضَحِكَتْ فَقُلْتُ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ فَرَحاً أَقْرَبَ مِنْ حُزْنٍ) أي: كان الفرح عقيبَ الحزن (فَسَأَلْتُهَا عَمَّا قَالَ).
          (فَقَالَتْ: مَا كُنْتُ لأُفْشِيَ) من الإفشاء، وهو الإظهار (سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ صلعم ، حَتَّى قُبِضَ النَّبِيُّ صلعم ) متعلِّق بمقدر؛ أي: «لم تقل حتَّى قبض» (فَسَأَلْتُهَا فَقَالَتْ: أَسَرَّ إِلَيَّ إِنَّ جِبْرِيلَ) ◙ (كَانَ يُعَارِضُنِي الْقُرْآنَ) من المعارضة وهي المقابلة، ومنه عارضتُ الكتاب بالكتاب؛ أي: قابلتُه به (كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً، وَإِنَّهُ عَارَضَنِي الْعَامَ مَرَّتَيْنِ، وَلاَ أُرَاهُ) بضم الهمزة؛ أي: لا أظنُّه (إِلاَّ حَضَرَ أَجَلِي) أي: إلَّا أنَّ موتي قرب (وَإِنَّكِ أَوَّلُ أَهْلِ بَيْتِي لَحَاقاً بِي) بفتح اللام (فَبَكَيْتُ، فَقَالَ: أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، أَوْ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ) شكٌّ من الراوي (فَضَحِكْتُ لِذَلِكَ) وفيه: أنَّ بكاءها في هذه الرواية كان من أجل قوله صلعم : ((ما أراه إلَّا حضر أجلي)) وضحكها كان لأجل إخباره لها أنها سيدةُ أهل الجنَّة، أو سيدة نساءِ المؤمنين.
          وأمَّا في الرواية الآتية [خ¦3626] فبُكاؤها كان لأجل قوله: «إنَّه يقبض في وجه الذي توفي فيه»، وضحكها كان لأجل ما أخبرهَا بأنَّها أوَّل أهل بيتهِ أتبعه، وسيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى.
          وماتتْ فاطمة ♦ بعد أبيها صلعم بستَّة أشهرٍ، قالت عائشة ♦: وذلك في شهر رمضان عن خمس وعشرين سنة، وقيل: ماتت بعده بثلاثة أشهر. /
          وفي الحديث: إنَّ المرءَ لا يحبُّ البقاء بعد محبوبهِ.
          قال ابنُ عمر ☻ في عاصم:
فَلَيْتَ الْمَنَايَا كُنَّ خَلَّفْنَ عَاصِمًا                     فَعِشْنَا جَمِيعًا أَوْ ذَهَبْنَ بِنَا مَعًا
          وفيه أيضاً: أنَّ فاطمة سيدة نساء أهل الجنَّة. قال الكرمانيُّ: فإن قيل: فهي أفضلُ من خديجة وعائشة ╢.
          قلت: المسألة مختلفٌ فيها، ولكن اللَّازم من الحديث ذلك، إلَّا أن يُقال: إن الرّواية بالشَّك والمتبادر إلى الذِّهن من لفظ المؤمنين غير النَّبي صلعم عرفاً، ودخولُ المتكلم في عموم كلامهِ مختلف فيه عند الأصوليين.
          ومطابقة الحديث للترجمة من حيث إنَّ فيه إخباراً عن حضورِ أجله، وإنَّ فاطمة ♦ أوَّل أهل بيتهِ لحاقاً به، فكان الأمرُ كما أخبر.
          وقد أخرجه البخاريُّ في «الاستئذان» [خ¦6285]، و«فضائل القرآن» أيضاً [خ¦3715]، وأخرجه مسلم في «الفضائل»، والنَّسائي في «الوفاة» و«المناقب».