نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث ابن عمر: كان النبي يخطب إلى جذع فلما اتخذ

          3583- (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى) قال: (أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ كَثِيرٍ) أي: ابن درهم (أَبُو غَسَّانَ) بفتح المعجمة وتشديد المهملة، العنْبري _بسكون النون_ البصري مات بعد المائتين، قال: (حَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ) بالمهملتين (وَاسْمُهُ: عُمَرُ بْنُ الْعَلاَءِ، أَخُو أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلاَءِ) بن عمارة البصري المازني. وقال صاحبُ «الكاشف»: الأصح أنَّه معاذ بن العلاء لا عَمرو. وقال الحافظُ العسقلاني: لم أرَ تسميةَ أبي حفص إلَّا في رواية البُخاري، والظَّاهر / أنَّه هو الذي سمَّاه.
          وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق بُنْدَار عن يحيى بن كثير، فقال: أخبرنا أبو حفص بن العلاء... فذكر الحديث ولم يسمِّه، وذكر الحاكمُ أبو أحمد في ترجمة أبي حفص في «الكنى» هذا الحديث فساقه من طريق عبد الله بن رجاء الغدَّاني: حدَّثنا أبو حفص بن العلاء. فذكر حديث الباب ولم يقل اسمه: عمر، ثم من طريق عثمان بن عمر عن معاذ بن العلاء، به. ثمَّ أخرج من طريق مُعتمر بن سليمان عن معاذ بن العلاء أبي غسان، قال: وكذا ذكر البخاري في «التاريخ» أنَّ معاذ بن العلاء يُكنَّى: أبا غسان.
          قال الحاكمُ: فالله أعلم هما أخوان: أحدُهما يسمَّى: عمر، والآخر يسمى: معاذاً، وحدثا معاً عن نافع بحديث الجذعِ، وأحد الطَّريقين غير محفوظ؛ لأنَّ المشهور من أولاد العلاء أبو عَمرو صاحب القراءات وأبو سفيان ومعاذ.
          فأمَّا أبو حفص عمر فلا أعرفهُ إلَّا في الحديث المذكور.
          وقال الحافظُ العسقلاني أيضاً: وليس لمعاذ ولا لعمر في البخاري ذكر إلَّا في هذا الموضع، وأمَّا أبو عَمرو بن العلاء فهو أشهرُ الإخوة وأجلهم وهو إمامُ القراءات بالبصرة، وشيخ العربية بها وليس له في البخاري رواية ولا ذكر إلَّا في هذا الموضع، واختُلِف في اسمه اختلافاً كثيراً. والأظهر: أنَّ اسمه كنيته، وأمَّا أخوه أبو سفيان بن العلاء فأخرج حديثه الترمذيُّ.
          (قَالَ: سَمِعْتُ نَافِعاً عَنِ ابْنِ عُمَرَ ☻ ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلعم يَخْطُبُ إِلَى جِذْعٍ) أي: مستنداً إليه (فَلَمَّا اتَّخَذَ المِنْبَرَ تَحَوَّلَ إِلَيْهِ فَحَنَّ الْجِذْعُ، فَأَتَاهُ فَمَسَحَ يَدَهُ عَلَيْهِ) وفي حديث سهل بن سعدٍ عند أبي نُعيم فقال: ألا تعجبونَ من حنين هذه الخشبة، فأقبلَ الناس عليها فسمعوا من حَنينها حتَّى كثر بكاؤهم. وفي رواية الإسماعيلي: ((فأتاه فاحتضنَه فسكنَ، وقال: لو لم أفعل لما سكنَ)).
          وفي حديث ابن عبَّاس ☻ عند الدَّارمي بلفظ: ((لو لم أحتضنه لحنَّ إلى يوم القيامة)). وفي حديث أنس ☺ عند أبي عَوَانة وابن خُزيمة وأبي نُعيم: ((والذي نفسي بيده لو لم ألتزمه لما زالَ هكذا إلى يوم القيامة حزناً على رسول الله صلعم ، ثمَّ أمر به فدفن)). وفي حديث أبي سعيد ☺ عند الدَّرامي: فأمر به أن يحفرَ له ويُدفن. فإن قيل: / وفي حديث أُبيُّ بن كعب ☺ فأخذ أُبيُّ بن كعب ذلك الجذع لمَّا هُدِم المسجد فلم يزل عنده حتى بليَ وعادَ تراباً.
          فالجواب: أنَّه لا يُنافي ما تقدَّم من دفنه؛ لأنَّه يحتمل أنَّه ظهرَ بعد الهدمِ عند التَّنظيف فأخذَه أُبيُّ بن كعب ☺.
          (وَقَالَ عَبْدُ الْحَمِيدِ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ) قال: (أَخْبَرَنَا مُعَاذُ بْنُ الْعَلاَءِ، عَنْ نَافِعٍ بِهَذَا) قال الحافظ العسقلاني: لم أرَ من ترجم له في رجال البخاري إلَّا أنَّ المزي ومن تبعه جزموا بأنَّه عبد بن حميد الحافظ المشهور، وقال: كان اسمه عبد الحميد، وإنما قيل له: عبد، بغير إضافة تخفيفاً.
          قال الحافظ العسقلاني: وقد راجعتُ الموجود في «مسنده» و«تفسيره» فلم أرَ هذا الحديث فيه، نعم وجدتُه عند عبد الله بن عبد الرَّحمن الدَّارمي أخرجه في «مسنده» المشهور عن عثمان بن عمر بهذا الإسناد، ثمَّ قوله: «أخبرنا معاذُ بن العلاء»، وقع في رواية الإسماعيلي من طريق أبي عبيدة الحدَّاد عن معاذ بن العلاء، وهو أخو أبي عَمرو بن العلاء القارئ.
          وقوله: «عن نافع» وقع في رواية الإسماعيلي وابن حبَّان: سمعتُ نافعاً.
          (وَرَوَاهُ أَبُو عَاصِمٍ) هو: النَّبيل، من كبار شيوخ البخاري (عَنِ ابْنِ أَبِي رَوَّادٍ) هو: عبدُ العزيز بن أبي رَوَّاد _بفتح الراء وتشديد الواو_ واسمه: ميمون المروزي (عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ☻ ، عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) وهذا التَّعليق وصله البيهقيُّ من طريق سعيد بن عَمرو، عن أبي عاصم مطولاً، وأخرجه أبو داود عن الحسين بن عليٍّ عن أبي عاصم مختصراً.
          فائدةٌ: ووقع في حديث الحسن عن أنس ☺: كان الحسنُ إذا حدَّث هذا الحديث يقول: يا معشرَ المسلمين الخشبة تحنُّ إلى رسولِ الله صلعم شوقاً إلى لقائهِ فأنتم أحقُّ أن تشتاقوا إليه.
          ومطابقة الحديث للترجمة ظاهرةٌ.