نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث: فإن طالت بك حياة لترين الظعينة ترتحل من الحيرة

          3595- (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَكَمِ) بالمهملة والكاف المفتوحتين، أبو عبد الله / المروزي الأحول، وهو من أفراده، قال: (أَخْبَرَنَا النَّضْرُ) بفتح النون وسكون الضاد المعجمة، هو: ابنُ شُمَيل، أبو الحسن المازني، مات أول سنة أربع ومائتين، وقد مرَّ في «الوضوء» [خ¦152] قال: (أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ) هو: ابنُ يونس بن أبي إسحاق السَّبيعي، قال: (أَخْبَرَنَا سَعْدٌ) أبو مجاهد (الطَّائِيُّ) قال: (أَخْبَرَنَا مُحِلُّ) بضم الميم وكسر الحاء المهملة وتشديد اللام (ابْنُ خَلِيفَةَ) بفتح المعجمة وكسر اللام وبالفاء الطائي (عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ) الطَّائي ☺، أنَّه (قَالَ: بَيْنَا أَنَا عِنْدَ النَّبِيِّ صلعم إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ فَشَكَا إِلَيْهِ الْفَاقَةَ) أي: الفقر.
          (ثُمَّ أَتَاهُ آخَرُ): قال الحافظُ العسقلاني: لم أقف على اسم واحدٍ منهما (فَشَكَا قَطْعَ السَّبِيلِ، فَقَالَ: يَا عَدِيُّ هَلْ رَأَيْتَ الْحِيرَةَ) بكسر الحاء المهملة وسكون المثناة التحتية وفتح الراء، بلدٌ معروفٌ عند الكوفة، وهي مدينةُ النُّعمان بن المنذر، وكانت بلد ملوك العرب الذين تحت حُكم آل فارس، وكان مَلكهم يومئذٍ إياس بن قَبيصة الطَّائي وليها من تحت يدِ كسرى بعد قتل النُّعمان بن المنذر، ولهذا قال عديُّ بن حاتم: فأين دُعَّار طَيئٍ.
          (قُلْتُ: لَمْ أَرَهَا، وَقَدْ أُنْبِئْتُ عَنْهَا) على البناء للمفعول؛ أي: أخبرتُ عنها (قَالَ: فَإِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتَرَيَنَّ الظَّعِينَةَ) بالظاء المعجمة، المرأة في الهودج، وهو في الأصل اسم الهودج (تَرْتَحِلُ مِنَ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ) وفي رواية أحمد من طريقٍ آخر عن عديِّ: «من غير جوارِ أحدٍ».
          (لَا تَخَافُ أَحَداً إِلاَّ اللَّهَ، قُلْتُ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِي: فَأَيْنَ دُعَّارُ طَيِّئٍ) بضم الدال المهملة وتشديد العين المهملة، جمع: داعر، وهو الشَّاطر الخبيث المفسد، وأصله: عودٌ داعرٌ إذا كان كثيرَ الدُّخان.
          قال الجواليقيُّ: والعامَّة تقوله بالذال المعجمة، فكأنَّهم ذهبوا به إلى مَعنى الفزع والمعروف هو الأوَّل، والمراد: قطَّاع الطَّريق، وطيئ: قبيلةٌ مشهورةٌ منها عديُّ بن حاتم المذكور.
          واسم طيئ: جلهمة بن أدد بن زيد بن يشجب بن عُريب بن زيد بن كهلان بن سبأ، وبلادهم ما بين العراق والحجاز، وكانوا يقطعون الطَّريق على من مرَّ عليهم بغيرِ جوار، ولذلك تعجَّب عدي كيف تمرُّ المرأةُ عليهم وهي غيرُ خائفة.
          ووقع في رواية لأحمد من طريق الشَّعبي / عن عدي بن حاتم، قلتُ: يا رسول الله، فأين مقانب طيء ورجالها، ومقانب _بالقاف_ جمع: مقنب، وهو العسكر، ويطلق على الفرسان.
          (الَّذِينَ قَدْ سَعَّرُوا الْبِلاَدَ) أي: أوقدوا نارَ الفتنة؛ أي: ملؤوا الأرضَ شرًّا وفساداً، وهو مستعارٌ من سعرتُ النار: إذا أوقدت، واستعار النار: توقدها.
          (وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتُفْتَحَنَّ) على البناء للمفعول وبفتح اللام وتشديد النون (كُنُوزُ كِسْرَى) بكسر الكاف وفتحها، علمٌ مَن مَلَك الفرس، لكن كانت المقالةُ في زمن كسرى بن هُرْمز، ولذلك استفهم عديُّ بن حاتم عنه، وقال: (قُلْتُ: كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ، قَالَ: كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ) وإنَّما قال ذلك لعظمةِ كسرى في نفسهِ إذ ذاك.
          (وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتَرَيَنَّ) على البناء للفاعل وباللام المفتوحة والنون المشددة، خطاب لعدي (الرَّجُلَ) منصوب بقوله: «لترين» (يُخْرِجُ) بضم الياء، من الإخراج (مِلْءَ كَفِّهِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ يَطْلُبُ مَنْ يَقْبَلُهُ مِنْهُ، فَلاَ يَجِدُ أَحَداً يَقْبَلُهُ مِنْهُ) أي: لعدم الفقرِ في ذلك الزَّمان، وقد تقدَّم في «الزكاة» [خ¦1411] [خ¦1412] قول من قال: إنَّ ذلك يكون عند نزولِ عيسى ◙.
          ويحتملُ أن يكون ذلك إشارة إلى ما وقعَ في زمن عمر بن عبد العزيز، وبذلك جزمَ البيهقيُّ في «الدَّلائل» فقد أخرج في «الدلائل» من طريق يعقوب بن سفيان بسندِه إلى عمر بن أُسيد بن عبد الرَّحمن بن زيد بن الخطَّاب قال: لما وَلِيَ عمرُ بن عبد العزيز ثلاثين شهراً لا والله ما مات حتى جعلَ الرجل يأتينا بالمال العظيم، فيقول: اجعلوا هذا حيث ترون من الفقراءِ، فما يبرحُ حتَّى يرجعَ بماله يتذاكرُ من يضعَه فيه، فلا يجده قد أَغنى عمر الناس. قال البيهقيُّ: فيه تصديقُ ما روِّينا في حديثِ عدي بن حاتم، انتهى.
          وقال الحافظُ العسقلاني: ولا شكَّ في رُجحان هذا الاحتمال على الأوَّل؛ لقوله في الحديث: ((ولئن طالت بك حياة)).
          (وَلَيَلْقَيَنَّ) بفتح المثناة التحتية وباللام المفتوحة والنون المشددة (اللَّهَ) منصوب بقوله: ((ليلقين)) (أَحَدُكُمْ) مرفوع به (يَوْمَ يَلْقَاهُ وَلَيْسَ بَيْنَهُ / وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ يُتَرْجِمُ لَهُ، فَلْيَقُولَنَّ) ويروى:<فيقولن> بدون اللام (أَلَمْ أَبْعَثْ إِلَيْكَ رَسُولاً، فَيُبَلِّغَكَ؟ فَيَقُولُ: بَلَى، فَيَقُولُ: أَلَمْ أُعْطِكَ مَالاً وَأُفْضِلْ عَلَيْكَ؟) من الإفضال؛ أي: ولم أفضل عليك منه (فَيَقُولُ: بَلَى، فَيَنْظُرُ عَنْ يَمِينِهِ، فَلاَ يَرَى إِلاَّ جَهَنَّمَ، وَيَنْظُرُ عَنْ يَسَارِهِ فَلاَ يَرَى إِلاَّ جَهَنَّمَ. قَالَ عَدِيٌّ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلعم يَقُولُ: اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ) بكسر الشين المعجمة؛ أي: نصفها، وفي رواية المستملي:<بشقة> بالتاء في الموضعين.
          (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ شِقَّ تَمْرَةٍ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ، قَالَ عَدِيٌّ: فَرَأَيْتُ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنَ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ لاَ تَخَافُ إِلاَّ اللَّهَ، وَكُنْتُ فِيمَنِ افْتَتَحَ كُنُوزَ كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ، وَلَئِنْ طَالَتْ بِكُمْ حَيَاةٌ) وهذا إلى آخره من كلام عدي ☺ (لَتَرَوُنَّ) بضم الواو وتشديد النون، خطابٌ للجمع (مَا قَالَ النَّبِيُّ أَبُو الْقَاسِمِ صلعم يُخْرِجُ مِلْءَ كَفِّهِ) أي: من المال، فلا يجدُ من يقبله، وفي رواية أحمد: والذي نفسي بيدِه لتكوننَّ الثالثة؛ لأنَّ رسول الله صلعم قد قالها، وقد وقع ذلك كما قال النَّبي صلعم وآمن به عدي ☺، والحديث قد مضى في «الزكاة»، في باب: «الصدقة قبل الرد» [خ¦1413].
          ومطابقته للترجمة كمطابقة الحديث السَّابق.
          (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّد) المعروف بالمسنَدي، قال: (أَخْبَرَنَا أَبُو عَاصِمٍ) الضَّحَّاك بن مخلد أحدُ مشايخ البخاري، روى عنه هنا بالواسطة، قال: (أَخْبَرَنَا سَعْدَانُ بْنُ بِشْرٍ) بكسر الموحدة وسكون المعجمة، يُقال: اسمه سعيد، وسعدان لقبه، وهو الجهني الكوفي، وليس له في البُخاري ولا لشيخه ولا لشيخِ شيخه غير هذا الحديث، وهو من أفراده، قال: (أَخْبَرَنَا أَبُو مُجَاهِدٍ) هو: سعد الطائي المذكور في الإسناد الذي قبله، قال: (أَخْبَرَنَا مُحِلُّ بْنُ خَلِيفَةَ: سَمِعْتُ عَدِيًّا كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صلعم ) وهذا السَّند بهذا الرِّجال وبحديثه قد مرَّ في «الزكاة»، في باب: «الصدقة قبل الرد» [خ¦1413]. /