نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث أبي هريرة: ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم

          3601- 3602- (حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ الأُوَيْسِيُّ) بضم الهمزة وفتح الواو وسكون التحتية وآخره سين مهملة، نسبة إلى أويس أحد أجدادهِ، وعبدُ العزيز هذا هو: عبدُ العزيز بنُ عبد الله بن يحيى، أبو القاسم القرشي الأويسيُّ، وهو من أفراده، قال: (أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ) أي: ابن إبراهيم بن عبد الرَّحمن بن عوف ☺ (عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) الزُّهري (عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ ☺ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلعم : سَتَكُونُ فِتَنٌ) بكسر الفاء، جمع فتنة.
          (الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، وَمَنْ يُشْرِفْ لَهَا) بضم الياء، من الإشراف، وهو الانتصابُ للشَّيء والتَّطلع إليه والنُّهوض إليه والتَّعرض له، ويروى: <ومن تشرَّف> / بصيغة الماضي من التَّفعل، وكذا في رواية مسلم.
          (تَسْتَشْرِفْهُ) أي: تغلبه وتصرعه، وقيل: هو من الإشراف على الهلاك؛ أي: تستهلكه، وقيل: من طلعَ لها بشخصهِ طالعته بشرِّها (وَمَنْ وَجَدَ مَلْجَأً) أي: موضعاً يلتجئُ إليه (أَوْ مَعَاذاً) شكٌّ من الرَّاوي، وهو في معنى ملجأ (فَلْيَعُذْ بِهِ) أمر للغائب، من عاذَ به.
          وفي الحديث: الحثُّ على التَّجنب من الفتن والهرب منها، وأنَّ شرَّها يكون بحسب التَّعلق بها. وقد أخرجه مسلم أيضاً.
          ومطابقته للترجمة من حيث إنَّ فيه إخباراً عن فتن ستقعُ، وهذا من علامات النُّبوة.
          (وَعَنِ ابْنِ شِهَابٍ) عطف على قوله: «عن ابنِ شهاب» السَّابق، وهو متَّصل لا معلَّق كما تُوهَّم، وقد أخرجه مسلمٌ بالإسنادين معاً من طريق صالح بن كَيسان عن الزُّهري (قَالَ) أي: أنَّه قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد (أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ) أي: ابن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم المخزوميُّ المدني الضَّرير، ويُقال له: راهبُ قريش؛ لكثرة صلاته، ويقال: اسمه أبو بكر وكنيته.
          (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُطِيعِ بْنِ الأَسْوَدِ) أي: ابن حارثة، يكنى: أبا عبد الله وعبد الرَّحمن هذا تابعي على الصَّحيح، وذكره ابن حبَّان وابن مندهْ في الصَّحابة، وأخوه عبدُ الله بن مطيع الذي ولي الكوفة مَذكور في الصَّحابة، وعبد الرَّحمن هذا ليس له في البخاريِّ إلَّا هذا الحديث.
          (عَنْ نَوْفَلِ بْنِ مُعَاوِيَةَ) أي: ابن مروة الكناني الدَّيلي، صحابي قليلُ الحديث من مسلمة الفتحِ، عاش إلى خلافة يزيد بن معاوية، ويقال: أنَّه جاوز المائة.
          وقال الكرمانيُّ: مات بالمدينة سنة بضعٍ وستين، وليس له في البخاريِّ غير هذا الحديث، وهو خال عبد الرَّحمن بن مُطيع الرَّاوي عنه، قال الزُّبير بن بكَّار: اسم أمِّه: أم كلثوم.
          (مِثْلَ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا إِلاَّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ يَزِيدُ مِنَ الصَّلاَةِ صَلاَةٌ) المراد بها صلاة العصر كذلك أخرجه النَّسائي مفسَّراً من طريق يزيد بن أبي حبيب عن عراك بن مالك، عن نوفل بن معاوية ☺ / : سمعتُ رسول الله صلعم يقول: ((من الصَّلاة صلاة)) فذكرَ مثل لفظ أبي بكر بن عبد الرَّحمن وزاد: قال: فقالَ ابن عمر ☻ : سمعتُ رسول الله صلعم يقول: ((هي صلاةُ العصر)).
          وقد تقدَّم في «الصَّلاة في المواقيت» [خ¦553] حديث بُريدة ☺ في ذلك مشروحاً وهو شاهدٌ لصحَّة قول ابن عمر ☻ .
          (مَنْ فَاتَتْهُ فَكَأَنَّمَا وُتِرَ) على البناء للمفعول (أَهْلَهُ وَمَالَهُ) بالنَّصب فيهما من وتره حقَّه؛ أي: نقصَه، ثمَّ إنَّ أبا بكر بن عبد الرَّحمن يحتمل أن يكون زاد هذا مرسلاً، ويحتمل أن يكون زادَه بالإسناد المذكور عن عبد الرَّحمن بن مطيع بن الأسود عن نوفل بن معاوية، ثمَّ إنَّ البخاري ☼ ذكرَ هذه الزِّيادة استطراداً لوقوعها في الحديث الَّذي أرادَ إيرادهُ في هذا الباب، وإن لم يكن لها تعلُّقٌ بهذا الباب.