نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث: قوم يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر

          3606- (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى) أي: ابن عبد ربِّه السِّختياني البلخي، الذي يقال له: خَتّ _بفتح الخاء المعجمة وتشديد المثناة الفوقية_ قال: (أَخْبَرَنَا الْوَلِيدُ) هو: ابنُ مسلم القرشي الأموي، أبو العباس الدَّمشقي، قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد.
          (ابْنُ جَابِرٍ) هو: عبدُ الرَّحمن بن يزيد بن جابر، وقد مرَّ في «الصَّوم» [خ¦1945]، قال: (حَدَّثَنِي بُسْرُ) بضم الموحدة وسكون السين المهملة (ابْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ) بصيغة التَّصغير (الْحَضْرَمِيُّ) بفتح الحاء المهملة وسكون الضاد المعجمة، وقد مرَّ في «الجزية» [خ¦3176]، قال: (حَدَّثَنِي أَبُو إِدْرِيسَ) هو: عائذُ الله، بالعين المهملة وبالذال المعجمة، من العوذ بن عبد الله.
          (الْخَوْلاَنِيُّ) بفتح المعجمة وسكون الواو وبالنون، وقد مرَّ في «الإيمان» [خ¦18]، وهؤلاء الأربعة شاميون (أَنَّهُ سَمِعَ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ، يَقُولُ: كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صلعم عَنِ الْخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي) نصب على التَّعليل، وكلمة «أن» مصدريَّة (فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ، فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ) صلعم : (نَعَمْ، قُلْتُ: وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَفِيهِ دَخَنٌ) بفتح الدال المهملة والخاء المعجمة، وهو الدخان، والمعنى: ليس هو خالصاً، ولكن يكون فيه شوب وكُدورة بمنزلة الدُّخان في النار، وقيل: / الدَّخن الأمور المكروهة، قاله ابن فارس.
          وقال صاحب «العين»: الدَّخَن: الحقد. وقال أبو عُبيد: تفسيره في الحديث آخر، وهو قوله: «لا ترجع قلوب قومٍ على ما كانت عليه». وفي «الجامع»: هو فسادٌ في القلب، وهو مثل الدَّغل.
          وقال النَّووي: المراد من الدَّخن أن لا تصفو القلوبُ بعضَها لبعض، ولا ترجع إلى ما كانت عليه من الصَّفاء.
          (قُلْتُ: وَمَا دَخَنُهُ؟ قَالَ: قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيٍ) بفتح الهاء، هو الهيئةُ والسيرة والطَّريقة، ويروى: <بغير هديي> بالإضافة إلى ياء المتكلم، وقد يروى: <بغير هُدًى> بضم الهاء وتنوين الدال.
          (تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ) يريد الأمراء بعده؛ أي: منهم من يدعو إلى الخير والرَّشاد، ومنهم من يدعو إلى البدعةِ والضَّلال كالخوارجِ ونحوهم (قُلْتُ: فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: نَعَمْ دُعَاةٌ) بضم الدال، جمع: داع.
          (عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا، فَقَالَ: هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا) قال الكرمانيُّ: أي: من العرب. وقال الخطَّابي: أي: من أنفسنَا وقومنَا، والجلدة: غشاء البدن، واللَّون إنما يظهرُ فيه. وقال الدَّاودي: من بني آدم.
          قال الشَّيخ أبو الحسن: أرادَ أنَّهم في الظَّاهر مثلنا معنا، وفي الباطنِ مخالفون لنا، وجلدة الشَّيء ظاهره.
          (وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا، قُلْتُ: فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ؟ قَالَ: تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ، قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلاَ إِمَامٌ، قَالَ: فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ) أي: ولو كان الاعتزال بأن تعضَّ (بِأَصْلِ شَجَرَةٍ) العضُّ: أخذُ الشَّيء بأطرافِ الأسنان، وهو من باب: علم يعلم، مثل: مس ويمَس، وأصله: عضض يعضض، فأدغم، ومنه قوله تعالى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ} [الفرقان:27]، وحكى القزَّاز ضم العين في المضارع، مثل: شدَّ يشُد.
          (حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ) الواو فيه للحال، وفيه لزومُ جماعة المسلمين ومطاوعة إمامِهم وإن كان فاسقاً في غيرِ المعاصي.
          ومطابقته للترجمة ظاهرةٌ، / وقد أخرجه البُخاري في «الفتن» أيضاً [خ¦7084]، وأخرجه مسلم في «كتاب الإمارة والجماعة»، وابن ماجه في «الفتن».