نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث: كان المسجد مسقوفًا على جذوع من نخل

          3585- (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ) هو: ابنُ أبي أويس، قال: (أَخْبَرَنَا أَخِي) هو: أبو بكر عبد الحميد (عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلاَلٍ) القرشي التَّيمي (عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الأنصاري، أنَّه (قَالَ: أَخْبَرَنِي) بالإفراد (حَفْصُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ) الأنصاري ☻ (يَقُولُ كَانَ الْمَسْجِدُ مَسْقُوفاً عَلَى جُذُوعٍ مِنْ نَخْلٍ) أراد أن الجذوعَ كانت له كالأعمدة (فَكَانَ النَّبِيُّ صلعم إِذَا خَطَبَ) وفي رواية سقط قوله: <إذا خطب> وهو مراد (يَقُومُ إِلَى جِذْعٍ مِنْهَا) أي: من تلك الجذوعِ مستنداً إليه.
          (فَلَمَّا صُنِعَ الْمِنْبَرُ) ويروى: <فلمَّا وضع المنبر> (فَكَانَ عَلَيْهِ، فَسَمِعْنَا لِذَلِكَ الْجِذْعِ صَوْتاً كَصَوْتِ الْعِشَارِ) بكسر المهملة وبالمعجمة الخفيفة، جمع عشراء، وهي النَّاقة التي أتتْ عليها من يوم أرسلَ عليها الفحل عشرة أشهر. وقد وقع في رواية عبد الواحد بن أيمن: ((فصاحت النَّخلة صياح الصَّبي)) [خ¦3584]. وفي حديث أبي الزُّبير عن جابر ☺ عند النَّسائي في «الكبرى»: ((اضطربتْ تلك السَّارية كحنين النَّاقة الخَلُوج))، انتهى.
          والخَلُوج: بفتح الخاء المعجمة وضم اللام الخفيفة / وآخره جيم، الناقة التي انتزع منها ولدها.
          وفي حديث أنس ☺ عند ابن خُزيمة: ((فحنَّت الخشبة حنين الوالدة (1))). وفي روايته الأخرى عند الدَّارمي: ((خار ذلك الجذع كخوار الثور)). وفي حديث أُبي بن كعب ☺ عند أحمد والدَّارمي وابن ماجه: ((فلما جاوزه خار الجذع حتى تصدَّع وانشقَّ)). وفي حديث بُرَيدة عند الدَّارمي: أنَّ النَّبي صلعم قال له: ((اخترْ غرسَك في المكان الذي كنتَ فيه فتكون كما كنت _يعني: قبل أن تصيرَ جذعاً_ وإن شئتَ أن أغرسكَ في الجنَّة فتشربَ من أنهارهَا فيحسن نَبْتُكَ وتُثمر فيأكلُ منك أولياءُ الله)) فقال للنَّبي صلعم : أختار أن تغرسنَي في الجنَّة، ويروى: فقال النَّبي صلعم : ((اختارَ أن أغرسَه في الجنة)).
          (حَتَّى جَاءَ النَّبِيُّ صلعم فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا فَسَكَنَتْ) قال البيهقيُّ: قصَّة حنين الجذع من الأمور الظَّاهرة التي حملَها الخلفُ عن السَّلف، وفيه دَلالة على أنَّ الجمادات قد يخلقُ الله لها إدراكاً كالحيوان، بل هي كأشرفِ الحيوان، وفيه تأييدٌ لقول من يحمل قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الإسراء:44] على ظاهره.
          وقد نقل ابن أبي حاتم في «مناقب الشافعي» قال: ما أعطى الله نبياً ما أعطى محمداً صلعم ، فقلت: أعطى عيسى ◙ إحياء الموتى قال: أعطى محمداً صلعم حنين الجذعِ حتَّى سُمِع صوته، فهذا أكثر من ذلك.
          ومطابقة الحديث للترجمة ظاهرةٌ، وفي إسناده رواية الأقران وهي رواية يحيى بن سعيد عن حفص لأنَّه في طبقته، وفيه رواية تابعي عن تابعي عن صحابيٍّ.


[1] في هامش الأصل: في رواية: حنين الوالد.