نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث: يا فلان ما يمنعك أن تصلي معنا؟

          3571- (حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ) هشامُ بن عبد الملك الطَّيالسي، قال: (أَخْبَرَنَا سَلْمُ) بفتح السين المهملة وسكون اللام (ابْنُ زَرِيرٍ) بفتح الزاي وكسر الراء الأولى، وقد مرَّ في «بدء الخلقِ» [خ¦3241]، قال: (سَمِعْتُ أَبَا رَجَاءٍ) ضدُّ الخوف، وهو عمران بن ملحان العُطاردي البصري أدرك زمان النَّبي صلعم بعد الفتح، ولم يرَ النَّبي صلعم ، ولم يُهاجر إليه.
          (قَالَ: حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ ☺ أَنَّهُمْ كَانُوا مَعَ النَّبِيِّ صلعم فِي مَسِيرٍ، فَأَدْلَجُوا) من الإدلاج، يقال: أدلج القومُ، إذا ساروا أوَّل اللَّيل، وإذا ساروا / يقال: ادَّلجوا _بتشديد الدال_.
          (لَيْلَتَهُمْ حَتَّى إِذَا كَانَ في وَجْهِ الصُّبْحِ) ويروى: <حتى إذا كان وجه الصُّبح> (عَرَّسُوا) من التَّعريس، وهو نزولُ القوم في آخر اللَّيل يقفون فيه وقفة للاستراحة (فَغَلَبَتْهُمْ أَعْيُنُهُمْ حَتَّى ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ، فَكَانَ أَوَّلَ مَنِ اسْتَيْقَظَ مِنْ مَنَامِهِ أَبُو بَكْرٍ ☺، وَكَانَ لاَ يُوقَظُ) على البناء للمفعول (رَسُولُ اللَّهِ صلعم مِنْ مَنَامِهِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، فَقَعَدَ أَبُو بَكْرٍ عِنْدَ رَأْسِهِ فَجَعَلَ) أي: أبو بكر ☺ (يُكَبِّرُ وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ، حَتَّى اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صلعم ) وقد تقدَّم في «كتاب التَّيمم» [خ¦344] أنَّ عمر ☺ هو الذي كان يُكبر ويرفعُ صوته حتى استيقظَ النَّبي صلعم ، وكذا وقع في «صحيح مسلم» في الصَّلاة من حديث عوف الأعرابي عن أبي رجاء أنَّ عمر ☺ كان رجلاً جليداً فكبَّر ورفع صوتَه بالتَّكبير حتى استيقظَ رسول الله صلعم ولا منافاةَ للجمع بينهما لاحتمال أنَّ كلاًّ منهما فعل ذلك.
          (فَنَزَلَ وَصَلَّى بِنَا الْغَدَاةَ، فَاعْتَزَلَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ لَمْ يُصَلِّ مَعَنَا فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: يَا فُلاَنُ مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تُصَلِّيَ مَعَنَا قَالَ: أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ. فَأَمَرَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ بِالصَّعِيدِ، ثُمَّ صَلَّى وَجَعَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلعم فِي رَكُوبٍ) بالضم، جمع راكبٍ، وبفتحها ما يركب.
          (بَيْنَ يَدَيْهِ، وَقَدْ عَطِشْنَا عَطَشاً شَدِيداً، فَبَيْنَمَا نَحْنُ نَسِيرُ) وفي رواية: <مع رسول الله صلعم > (إِذَا نَحْنُ بِامْرَأَةٍ سَادِلَةٍ) أي: مرسلة (رِجْلَيْهَا) يقال: سدلَ الرَّجل ثوبه: إذا أرخاه (بَيْنَ مَزَادَتَيْنِ) تثنية مَزادة _بفتح الميم وتخفيف الزاي_ وهي الرَّاوية، وسمِّيت بها لأنَّها يُزادُ فيها جلدٌ آخر من غيرها، ولهذا قيل: إنها أكبرُ من القربة.
          (فَقُلْنَا لَهَا: أَيْنَ الْمَاءُ، فَقَالَتْ: إِنَّهُ) بلفظ الحرف المشبَّهة بالفعل، ويروى: <أيهاً> قال الجوهري: ومن العرب من يقول: أَيهاً _بفتح الهمزة_ بمعنى هيهات، ويروى: <أيهات> على وزن هيهات ومعناه.
          (لاَ مَاءَ. فَقُلْنَا: كَمْ بَيْنَ أَهْلِكِ وَبَيْنَ الْمَاءِ، / قَالَتْ: يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، فَقُلْنَا: انْطَلِقِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلعم . قَالَتْ: وَمَا رَسُولُ اللَّهِ فَلَمْ نُمَلِّكْهَا مِنْ أَمْرِهَا حَتَّى اسْتَقْبَلْنَا بِهَا النَّبِيَّ صلعم ، فَحَدَّثَتْهُ بِمِثْلِ الَّذِي حَدَّثَتْنَا غَيْرَ أَنَّهَا حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا مُؤْتِمَةٌ) أي: ذات أيتامٍ، من ائتمَّت المرأة إذا صار أولادها أيتاماً، فهي مؤتِمة _بكسر التاء، ويروى: بفتحها_.
          (فَأَمَرَ بِمَزَادَتَيْهَا فَمَسَحَ بالْعَزْلاَوَيْنِ) تثنية عَزْلاء _بسكون الزاي وبالمد_ وهو فمُ القربة، والجمع: عزالِي _بكسر اللام الخفيفة_، كذا قال الحافظ العسقلاني.
          وقال العيني: العزلاءُ في فمِ المزادةِ الأسفل، كذا في رواية الكُشميهني: <في العزلاوين>، وفي رواية غيره: <في العزلاوتين>.
          (فَشَرِبْنَا عِطَاشاً) أي: حال كوننا عطاشاً (أَرْبَعِينَ رَجُلاً) بالنَّصب، وفي رواية الكُشميهني: وتوجيهها أنَّه بيان لقوله: «عطاشاً»، ويروى: <أربعون>؛ أي: ونحن حينئذٍ أربعون رجلاً (حَتَّى رَوِينَا) بكسر الواو، من الري، ويجوز فتحها (فَمَلأْنَا كُلَّ قِرْبَةٍ مَعَنَا وَإِدَاوَةٍ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ نَسْقِ بَعِيراً وَهْيَ تَكَادُ تَبِضُّ) بكسر الموحدة بعدها معجمة ثقيلة؛ أي: تسيل (مِنَ الْمِلْءِ) وقال ابن التِّين: تبض؛ أي: تنشق فيخرج منه الماء، يقال: بض الماء من العين: إذا نبع، وكذا بضَّ العِرْقُ. وحكى القاضي عياض عن بعض الرُّواة: بالصاد المهملة، من البصيصِ وهو اللَّمعان.
          قال الحافظُ العسقلاني: ومعناه مستبعدٌ منها، فإنَّ في نفسِ الحديث: تكاد تبض من المِلْء _بكسر الميم وسكون اللام بعدها همزة_ فكونها تكاد تسيلُ من الملء ظاهر، وإمَّا كونها تلمعُ من الملء فبعيد.
          أقول: هو كنايةٌ عن شدَّة ملائها فلا بُعْدَ، وروي: <تنض> بالنون عوض الموحدة، وروى أبو ذرٍّ عن الكُشميهني: <تنصبُّ> من الانصبابِ، ويروى: <تتضرج> بالضاد المعجمة والراء والجيم؛ أي: تنشقُّ، ويروى: <تَيْصر> بمثناة مفتوحة بعدها تحتانية ساكنة وصاد مهملة ثم راء، وذكر الشيخ أبو الحسن أنَّ معناه: تنشق، قال: ومنه صير الباب؛ أي: شقه، / وردَّه ابن التين بأنَّ «صير» عينه حرف علة، فكان يلزم أن يقال: تصير، وليس هذا في شيء من الرِّوايات.
          (ثُمَّ قَالَ) أي: النَّبي صلعم (هَاتُوا مَا عِنْدَكُمْ. فَجُمِعَ لَهَا مِنَ الْكِسَرِ وَالتَّمْرِ، حَتَّى أَتَتْ أَهْلَهَا قَالَتْ: لَقِيتُ أَسْحَرَ النَّاسِ، أَوْ هُوَ نَبِيٌّ، كَمَا زَعَمُوا، فَهَدَى اللَّهُ ذَلِكَ الصِّرْمَ) بكسر الصاد المهملة وسكون الراء، وهي أبياتٌ مجتمعةٌ على الماء.
          قال الخطَّابي: وفي الحديث: إنَّ آنية أهل الشِّرك طاهرة، وأنَّ الضَّرورة تُبيح الماءَ المملوك لغيره على عوضٍ، وفيه: بركةُ دعاء رسولِ الله صلعم ، وبذلك تطابق الترجمة.
          وقد مرَّ الحديث في «كتاب التيمم»، في باب: «الصَّعيد الطيب وضوء المسلم» [خ¦344] بأتم منه وأطول، ومضى الكلام فيه هناك.