نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث: بين يدي الساعة تقاتلون قومًا نعالهم الشعر

          3591- (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ) المعروف بابنِ المديني، قال: (أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ) هو: ابنُ عيينة (قَالَ: قَالَ إِسْمَاعِيلُ) هو: ابنُ أبي خالد (أَخْبَرَنِي قَيْسٌ) هو: ابنُ أبي حازم (قَالَ: أَتَيْنَا أَبَا هُرَيْرَةَ ☺، فَقَالَ) وفي نسخة:<قال> بدون الفاء (صَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلعم ثَلاَثَ سِنِينَ) وفي رواية أحمد عن سفيان عن إسماعيل عن قيس قال: نزلَ علينا أبو هريرة ☺ بالكوفة، وكان بينه وبين مَولانا قرابة. قال سفيان: وهم _أي: آل قيس بن أبي حازم_ مَوالي الأحمس.
          قال قيسٌ: فأتيناهُ فسلَّم عليه، فقال له: يا أبا هريرة هؤلاء أنسباؤك أتوكَ ليسلموا عليكَ وتحدِّثهم، قال: مرحباً بهم وأهلاً، صحبتُ رسول الله صلعم ثلاث سنين. كذا وقع في النسخ: <ثلاث سنين> وفيه نظرٌ لأنَّ أبا هريرة ☺ قدم في خيبر سنة سبع، وكانت خيبر في صفر ومات النَّبي صلعم في ربيع الأول سنة إحدى عشرة، فتكون المدَّة أربع سنين وزيادة.
          وبذلك جزمَ حميد بن عبد الرَّحمن الحِمْيري، قال: صحبتُ رجلاً صحب النَّبي صلعم أربعَ سنين كما صحبه أبو هريرة ☺، أخرجَه أحمد وغيره، فكأنَّ أبا هريرة ☺ اعتبرَ المدة التي لازم فيها النَّبي صلعم الملازمة الشَّديدة وذلك [بعد] قدومَهم من خيبر.
          أو لم يعتبر الأوقات التي وقعَ فيها سفر النَّبي صلعم من غزوةٍ وحجَّة وعمرة؛ لأنَّ ملازمته فيها لم تكن كملازمتهِ له في المدينة، وما عداها لم يكن وقع له فيها الحرص الشَّديد، أو وقع له لكن كان حرصه / فيها أشد وأقوى، والله تعالى أعلم.
          (لَمْ أَكُنْ فِي سِنِيَّ) بكسر المهملة والنون وتشديد المثناة التحتية على الإضافة؛ أي: في سني عمري؛ أي: في مدَّة عمري. وفي رواية الكُشميهني:<في شيء> بفتح المعجمة وسكون التحتية بعدها همزة، واحد الأشياء.
          (أَحْرَصَ) أفعل التَّفضيل، والمفضَّل والمفضَّل عليه كلاهما هو أبو هريرة ☺ فهو مفضَّل باعتبار الثَّلاثة، مفضَّل عليه باعتبارهَا في سني عمره (عَلَى أَنْ أَعِيَ) أي: أحفظ (الْحَدِيثَ مِنِّي فِيهِنَّ) ووقع في رواية عن يحيى القطان عن إسماعيل بلفظ: ما كنت أعقل مني فيهنَّ ولا أحبَّ إليَّ أن أعيَ ما يقول فيها.
          (سَمِعْتُهُ يَقُولُ: وَقَالَ هَكَذَا بِيَدِهِ) وفي نسخة: <بيديه> (بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ) أي: قبلها مثل قوله تعالى: {مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ} [الصف:6] (تُقَاتِلُونَ قَوْماً نِعَالُهُمُ الشَّعَرُ وَهُوَ هَذَا الْبَارَزُ) بفتح الراء بعدها زاي، هكذا قيَّده الأَصيلي في الموضعين، ووافقَه ابن السَّكن وغيره، ومنهم من ضبطه: بكسر الراء. وقال القاضي: معناه: البارزون لقتال أهل الإسلام؛ أي: الظَّاهرون في براز من الأرض.
          وقال الكرمانيُّ: قيل: المراد بالبارزِ أرض فارس، وقيل: أهل البارز هم الأكرادُ الذين يسكنون في البارز؛ أي: الصَّحراء.
          ويحتمل أن يُراد به: الجبل لأنَّه بارز عن وجهِ الأرض، وقيل: هم الدَّيَالمة وذلك لأنَّ كلاًّ من الأكراد والدَّيَالمة يسكنون في براز من الأرض أو الجبال.
          (وَقَالَ سُفْيَانُ) المذكور في السند (مَرَّةً وَهُمْ أَهْلُ الْبَازَرِ) قال ابن كثير: قول سفيان المشهور من الرواية تقديم الراء على الزاي وعكسه تصحيفٌ؛ لأنَّه اشتبه على الرَّاوي من «البازر» بتقديم الزاي على الراء وهو السَّوق بلغة العجم والترك أيضاً.
          والحديث أخرجه مسلم في «الفتن».