نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث: أصاب أهل المدينة قحط على عهد رسول الله

          3582- (حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ) هو: ابنُ مسرهد، قال: (أَخْبَرَنَا حَمَّادٌ) هو: ابنُ زيد (عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ) أي: ابن صُهيب (عَنْ أَنَسٍ ☺، وَعَنْ يُونُسَ) هو: ابنُ عُبيد البصري، وهو معطوفٌ على قوله: «عن عبد العزيز»؛ أي: حدَّثنا مسدد: أخبرنا حمَّاد عن يونس.
          (عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ ☺) والحاصل: أنَّ حمَّاداً سمعه عن أنس عالياً ونازلاً، وذلك لأنَّه سمع من ثابت وحدَّث عنه هنا بواسطة، وذكر البزَّار أنَّ حمَّاداً تفرَّد بطريق يونس بن عُبيد هذه، وقد أخرج البُخاري هذا الحديث في «الاستسقاء» مطولاً ومختصراً من عشر وجوه [خ¦1013] (قَالَ: أَصَابَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ قَحْطٌ) أي: جدبٌ، يقال: قَحِط المطر _بكسر الحاء وفتحها_ إذا احتبسَ وانقطعَ وأقحطَ النَّاس إذا لم يمطروا (عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلعم ) أي: على زمنه وفي أيَّامه (فَبَيْنَمَا) ويروى: <فبينا> بدون ميم (هُوَ يَخْطُبُ يَوْمَ جُمُعَةٍ إِذْ قَامَ رَجُلٌ) جواب «بينما»، وقيل: هذا الرَّجل هو خارجة بن حصن الفزاري (فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكَتِ الْكُرَاعُ) بضم الكاف، وحكي عن رواية الأَصيلي كسرها وخُطِّئ، والمراد به الخيل، وقد يُطلق على غيرها لكن المراد به هاهنا: الخيل لأنَّه عطف عليه غيره وهو قوله: (وَهَلَكَتِ الشَّاءُ) جمع: شاة، وأصلُ الشَّاة: شاهة فحذفتْ لامها. وقال ابنُ الأثير: جمع الشَّاة: شاء وشياه وشوى.
          (فَادْعُ اللَّهَ يَسْقِينَا، فَمَدَّ يَدَيْهِ وَدَعَا، قَالَ أَنَسٌ ☺: وَإِنَّ السَّمَاءَ لَمِثْلُ الزُّجَاجَةِ) أي: من شدَّة الصَّفاء ليس فيها شيءٌ من السَّحاب ومن الكدورات (فَهَاجَتْ رِيحٌ أَنْشَأَتْ) أي: ثارت ريح أنشأت (سَحَاباً) وفي «التوضيح»: فيه نظرٌ، إنما يقال: نشأ السَّحاب: / إذا ارتفعَ وأنشأه الله، ومنه {يُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ} [الرعد:12] ؛ أي: يبديها.
          (ثُمَّ اجْتَمَعَ ثُمَّ أَرْسَلَتِ السَّمَاءُ عَزَالِيَهَا) جمع: عزلاء. وقال الحافظُ العسقلاني: تثنية عَزْلاء _بفتح العين المهملة وسكون الزاي_ فمُ المزادةِ من أسفلها، وفي الجمع يجوز كسر اللام وفتحها، كما في الصَّحارى (فَخَرَجْنَا نَخُوضُ الْمَاءَ حَتَّى أَتَيْنَا مَنَازِلَنَا) ويروى: <منزلنا> بالإفراد (فَلَمْ نَزَلْ نُمْطَرُ) بنون المتكلم في الفعلين وبصيغة المجهول في الثَّاني، وروي بالتاء فيهما وصيغة الفاعل في الثاني؛ أي: لم تزلْ السَّماء تمطر (إِلَى الْجُمُعَةِ الأُخْرَى، فَقَامَ إِلَيْهِ ذَلِكَ الرَّجُلُ أَوْ غَيْرُهُ) وقد تقدَّم في «الاستسقاء» ما يقربُ أنَّه خارجة بن حصن الفزاريِّ وما يوضِّح أنَّ الذي قام أولاً هو الذي قام ثانياً، وأنَّ أنس ☺ جزمَ به تارةً وشكَّ فيه أخرى [خ¦933] [خ¦1014].
          (فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تَهَدَّمَتِ الْبُيُوتُ، فَادْعُ اللَّهَ يَحْبِسْهُ فَتَبَسَّمَ) أي: <رسول الله صلعم >، كما في رواية أبي زيد (ثُمَّ قَالَ: حَوَالَيْنَا) بفتح اللام (وَلاَ عَلَيْنَا فَنَظَرْتُ إِلَى السَّحَابِ تَصَدَّعَ) وفي رواية الأَصيلي: <تتصدع> وهي الأصل، ولكن حذفت منه إحدى التائين.
          (حَوْلَ الْمَدِينَةِ كَأَنَّهُ إِكْلِيلٌ) بكسر الهمزة وسكون الكاف، هي العصابة التي تُحِيطُ بالرَّأس، وأكثر ما يُستعمل إذا كانت العصابة مكلَّلة بالجوهر، وهي من سمات ملوك الفرس، وقد قيل: إن أصله ما أحاطَ بالظُّفْر من اللَّحم، ثم أُطلق على كلِّ ما أحاط بشيءٍ ما، ويطلقُ على التَّاج المرصَّع أيضاً.
          ومطابقة الحديث للترجمة من حيث وقوع إجابة الدُّعاء في الحال.