نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث أبي هريرة: لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قومًا نعالهم الشعر

          3587- 3588- 3589- (حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ) الحكم بنُ نافع، قال: (أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ) قال: (أَخْبَرَنَا أَبُو الزِّنَادِ) بالزاي والنون، عبدُ الله بن ذكوان (عَنِ الأَعْرَجِ) عبد الرَّحمن بن هرمز.
          (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ☺، عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) أنَّه (قَالَ: لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا قَوْماً نِعَالُهُمُ الشَّعَرُ) قيل: المراد منهم الأكراد، وقد يُقال المراد بأنَّ نعالهم الشَّعر: طول شعورهم حتى تصيرَ أطرافها في أرجلهم موضعَ النِّعال، ويقال: المراد أنَّ نعالهم من شعر بأن يجعلوها من شعر مضفورٍ، وقد تقدَّم التصريح بشيءٍ من ذلك في باب: «قتال الترك»، من «كتاب الجهاد» [خ¦2928]. وفي رواية مسلم: ((يلبسون الشعور)). وزعم ابنُ دحية: أنَّ المراد القندس الذي يلبسونه في الشَّرابيش، قال: وهو جلدُ كلب / الماء.
          (وَحَتَّى تُقَاتِلُوا التُّرْكَ) وهم جنسٌ كثيرٌ كالأكراد، وقيل: إنَّ الترك من ولد سامَ بن نوح ◙، وقيل: من ولد يافث وبلادهم ما بين مشارقِ خراسان إلى مغاربِ الصِّين وشمائل الهند إلى أقصى المعمور.
          (صِغَارَ الأَعْيُنِ حُمْرَ الْوُجُوهِ ذُلْفَ الأُنُوفِ) وصفهم بصغرِ الأعين كأنَّها مثل خرق المسلَّة، وحمرة الوجه كأنَّ وجوههم مطليَّة بالصَّبغ الأحمر، وبذلافةِ الأنوفِ حيث قال: «ذُلف الأنوف»، وهو بضم الذال المعجمة، جمع: أَذْلف. وروي بالمهملة أيضاً، قيل: معناه صغرُ الأنف مستوى الأرنبة، وقيل: الذَّلافة تشميرُ الأنفِ عن الشَّفة العليا، وجاء: ((فطس الأنوف)) [خ¦3590] والفطاسةُ: انفراش الأنف.
          (كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ) جمع: مجن، وهو الترسُ (الْمُطْرَقَةُ) بضم الميم وسكون الطاء وفتح الراء. وقال القاضي عياض: الصَّواب فيه: المطرَّقة _بتشديد الراء_، وذكر ابن دحية عن شيخه أبي إسحاق أنَّ الصَّواب بسكون الطاء وفتح الراء، وهي التي أُطرقتْ بالعقب؛ أي: أُلبست حتى غلظتْ فكأنَّها ترسٌ على ترسٍ، ومنه طارقتُ النَّعل إذا ركبت جلداً على جلدٍ وخرزتُه عليه.
          (وَتَجِدُونَ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ أَشَدَّهُمْ كَرَاهِيَةً لِهَذَا الأَمْرِ) والمراد: الإمارة والحكومة (حَتَّى يَقَعَ فِيهِ، وَالنَّاسُ مَعَادِنُ خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الإِسْلاَمِ).
          (وَلَيَأْتِيَنَّ عَلَى أَحَدِكُمْ زَمَانٌ لأَنْ يَرَانِي أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِثْلُ أَهْلِهِ وَمَالِهِ) حديث أبي هريرة ☺ هذا يشتملُ على أربعة أحاديث:
          أحدها: قتالُ قوم نعالهم الشَّعر وقتالُ الترك، وقد مرَّ هذا في «كتاب الجهاد»، في باب «قتال الترك» [خ¦2928] وباب «الذين ينتعلون الشَّعَر» [خ¦2929].
          ثانيها: حديث: ((تجدون من خيرِ الناس))، وقد مرَّ ذلك بطولهِ في أوائل «كتاب المناقب» [خ¦3496].
          ثالثها: حديث: ((الناس معادن))، وقد مرَّ هذا أيضاً هنالك [خ¦3493].
          رابعها: حديث: ((ليأتين على أحدكم)).
          والأحاديث الأربعة تدخل في علامات النُّبوة لإخباره فيها عمَّا لم يقع فوقع كما أخبرَ ولا سيَّما الحديث الأخير، فإن كلَّ أحد من الصَّحابة ♥ بعد موته صلعم يودُّ لو كان رآه، وفَقَدَ مثل أهله وماله، بل كان أحد ممَّن بعدهم إلى زماننا هذا يتمنَّى مثل ذلك / فكيفَ بهم مع عظيمِ منزلتهِ عندهم ومحبَّتهم فيه صلعم .