نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث: بينما أنا نائم رأيت في يدي سوارين من ذهب

          3620- 3621- (حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ) الحكم بن نافع، قال: (أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ) هو: ابنُ أبي حمزة الحمصي (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الحُسَيْن) هو: عبدُ الله بن عبد الرَّحمن بن أبي الحسين النَّوفلي، وقد مرَّ في «البيع» [خ¦2052] (قَالَ: أَخْبَرَنَا نَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ) أي: ابن مطعم، وقد مرَّ في «الوضوء» [خ¦182] (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ☻ ) أنَّه (قَالَ: قَدِمَ مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلعم ) أي: على زمنه وكان قدومه في سنة تسع من الهجرة، وهي سنة الوفود.
          قال ابنُ إسحاق: قدمَ على رسول الله صلعم وفدُ بني حنيفة فيهم مسيلمة بن حبيب. وقال ابنُ هشام: هو مسيلمةُ بن ثمامة، ويكنى: أبا ثمامة. وقال السُّهيلي: هو مسيلمةُ بن ثمامة بن كثير بن حبيب بن الحارث بن عبد الحارث بن همام بن ذهل بن الدول بن حنيفة ويكنى: أبا ثمامة. وقيل: أبا هارون، وكان قد تسمَّى بالرَّحمان، وكان يقال له: رحمان اليمامة.
          وكان يُعرفُ أبواب النَّيرنجات، فكان يدخل البيضة في القارورة، وهو / أوَّل من فعلَ ذلك وبذلك اغتر قومه، وكان يقصُّ جناح الطَّير، ثم يصله ويدعي أنَّ ظبية تأتيه من الجبل فيحلبُ لبنها.
          قال الواقديُّ: وكان وفدُ بني حنيفة بضعة عشر رجلاً عليهم سلمى بن حنظلة، وفيهم طلق بن علي وعلي بن سنان ومسيلمة بن حبيب الكذاب، فأُنزِلوا في دار رملة بنت الحارث، وأجريتُ عليهم الضِّيافة، فكانوا يؤتون بغداء وعشاء مرَّة خبزاً ولحماً، ومرَّة خبزاً ولبناً، ومرَّة خبزاً وسمناً، ومرَّة تمراً، فنزلوا فلمَّا قدموا المسجد أسلموا، وقد خلفوا مسيلمة في رحالهم.
          ولما أرادوا الانصراف أعطاهم جوائزهُم خمس أواق من فضَّة وأمر لمسيلمة مثل ما أعطاهُم لما ذكروا أنَّه في رحالهم، فقال: أما إنَّه ليس بشرِّكم مكاناً فلمَّا رجعوا إليه أخبروه بما قال عنه، قال: إنَّما قال ذلك لأنَّه عرف أنَّ الأمر لي بعدَه وبهذه الكلمة تشبَّث قبَّحه الله حتى ادَّعى النُّبوة.
          وقال ابنُ إسحاق: ثمَّ انصرفوا عن رسولِ الله صلعم ولما انتهوا إلى اليمامة ارتدَّ عدو الله وتنبَّىء وتكذَّب لهم، وقال: اشتركتُ معه في الأمر، ثمَّ جعلَ يسجع لهم السَّجعات مُضاهياً للقرآن، فأُصْفِقَتْ على ذلك بنو حنيفة وقتلَ في أيَّام أبي بكر الصِّدِّيق ☺ في وقعة اليمامة قتله وحشي قاتل حمزة، وكان عمره حين مات مائة وخمسين سنة.
          (فَجَعَلَ يَقُولُ: إِنْ جَعَلَ لِي مُحَمَّدٌ الأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ تَبِعْتُهُ وَقَدِمَهَا فِي بَشَرٍ كَثِيرٍ مِنْ قَوْمِهِ، فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلعم ) تأليفاً له ولقومهِ رجاء إسلامهم وليبلغ ما أنزل إليه.
          وقال القاضي عياض(1) : يحتمل أنَّ سبب مجيئه أن مسيلمة قصدَه من بلدهِ للقائهِ، فجاءهُ مكافأة قال: وكان مسيلمةُ حينئذٍ يُظهر الإسلام، وإنما ظهر كفره بعد ذلك.
          (وَمَعَهُ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ) بفتح المعجمة وتشديد الميم وبالمهملة خطيبُ رسول الله صلعم وكان يجاوبُ الوفود عن خطبهم (وَفِي يَدِ رَسُولِ اللَّهِ صلعم قِطْعَةُ جَرِيدٍ) الجملة حالية / (حَتَّى وَقَفَ عَلَى مُسَيْلِمَةَ فِي أَصْحَابِهِ فَقَالَ: لَوْ سَأَلْتَنِي هَذِهِ الْقِطْعَةَ مَا أَعْطَيْتُكَهَا وَلَنْ تَعْدُوَ أَمْرَ اللَّهِ فِيكَ) أي: خيبتك فيما أمَّلته من النُّبوة وهلاكك دون ذلك، وفيما سبقَ من قضاءِ الله وقدره في شقاوتك، ويروى: <لن تعدُ> بحذف الواو للجزم، والجزم بـ«لن» لغة حكاها الكسائي.
          (وَلَئِنْ أَدْبَرْتَ) أي: عن طاعتي (لَيَعْقِرَنَّكَ اللَّهُ) أي: ليقتلنَّك ويهلككَ وأصله من عقرِ الإبل، وهو أن يضربَ قوائمها بالسَّيف ويجرحَها وكان كذلك قتله الله ╡ يوم اليمامة (وَإِنِّي لأُرَاكَ) بضم الهمزة؛ أي: أظنُّك (الَّذِي) أي: الشَّخص الذي (أُرِيتُ) على البناء للمفعول (فِيكَ مَا رَأَيْتُ) أي: أريت في المنام في حقِّك ما رأيته.
          (فَأَخْبَرَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ) أي: قال ابن عبَّاس ☻ : أخبرني أبو هريرة ☺. وفي رواية مسلم: «وإنِّي لأراك الذي أُريت فيك ما أُريت، وهذا ثابتٌ يُجيبُك عنِّي»، ثمَّ انصرفَ عنه فقال ابن عبَّاس ☻ : فسألتُ عن قول رسولِ الله صلعم : (وإني لأراك)... إلى آخره فأخبرني أبو هريرة ☺ أنَّ النَّبي صلعم ... الحديث.
          (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلعم قَالَ) وهذا يُعدُّ من مسند أبي هريرة ☺ دون ابن عبَّاس ☻ ، فلذلك ذكره الحافظ المزيُّ في مسند أبي هريرة (بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ فِي يَدَيَّ سِوَارَيْنِ) بكسر السين وضمها. وقال النَّووي: قال أهل اللُّغة: أُسوار _بضم الهمزة أيضاً_ وفيه ثلاثُ لغات.
          (مِنْ ذَهَبٍ) وفي «التوضيح» قوله: «من ذهب»، للتَّأكيد لأنَّ السوار لا يكون إلَّا من ذهبٍ، فإن كان من فضَّة فهو قُلْبٌ (فَأَهَمَّنِي شَأْنُهُمَا) أي: أحزنَني أمرهما (فَأُوحِيَ إِلَيَّ فِي الْمَنَامِ أَنِ انْفُخْهُمَا) أي: أنفخْ السِّوارين وهو أمرٌ من النَّفخ.
          (فَنَفَخْتُهُمَا فَطَارَا) وتأويل نفخهمَا أنَّهما قتلا بريحه، والذَّهب زخرف / يدلُّ على زخرفهما، ودلَّا بلفظهما على مَلِكين لأنَّ الأساورة هم الملوك، وفي النَّفخ دليل على اضمحلالِ أمرهما وكان كذلك (فَأَوَّلْتُهُمَا) أي: السوارين (كَذَّابَيْنِ يَخْرُجَانِ بَعْدِي) قال النَّووي: أي: يظهر شوكتهما ومحاربتهما ودَعواهما النُّبوة وإلَّا فقد كانا في زمنه، انتهى. وقال العينيُّ: المراد بعد دَعواي النُّبوة، أو بعد ثبوتِ نبوَّتي.
          (فَكَانَ أَحَدُهُمَا الْعَنْسِيَّ) أي: كان أحد السِّوارين في التَّأويل العَنْسي _بفتح العين المهملة وسكون النون وبالسين المهملة_ وهو نسبة الأسود، الصَّنعاني (2) الذي ادَّعى النُّبوة، وقيل: اسمه عَبْهلة _بفتح العين المهملة وسكون الموحدة_ ابن كعب.
          وكان يُقال له: ذو الحمار؛ لأنَّه زعم أنَّ الذي يأتيهِ هو الحمار، قتله فيروز الصَّحابي الدَّيلمي بصنعاء، دخل عليه فحطمَ عنقه.
          وهذا في حياة رسولِ الله صلعم وفي مرضهِ الذي توفِّي فيه على الأصحِّ والمشهور. وبشَّر رسول الله صلعم الصَّحابة بذلك، ثمَّ بعده حمل رأسه إليه، وقيل: كان ذلك في زمن الصِّدِّيق ☺، والعنسي نسبة إلى عنس.
          قال الرُّشاطي: اسمه: زيد بن مالك بن أدد، ومالكٌ هو جماعُ: مذحج. وقال ابنُ دريد: العنس: النَّاقة الصَّلبة.
          (وَالآخَرُ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابَ) أي: والسِّوار الآخر في التَّأويل مسيلمة الكذَّاب (صَاحِبَ الْيَمَامَةِ) بفتح المثناة التحتية وتخفيف الميمين، وهي مدينة باليمن على أربع مراحلٍ من مكة شرَّفها الله تعالى، ومرحلتين من الطَّائف، قيل: سمِّيت باسم جارية زرقاء كانت تبصرُ الرَّاكب من مسيرة ثلاثةِ أيَّام، يُقال: هو أبصرُ من زرقاء اليمامةِ، فسمِّيت اليمامَة لكثرةِ ما أُضيفَ إليها، والنِّسبة إليها يمامي.
          ومطابقةُ الحديث للترجمة تُؤخذ من قوله: «فأولتهما كذَّابين... إلى آخره» لأنَّ فيه إخباراً عنه صلعم بأمر قد وقعَ بعضه في أيَّامه وبعضه بعدَه / فإنَّ العَنْسي قُتِل في أيَّامه ومسيلمة قُتِل بعدَه في وقعة اليمامة، قتله وحشي قاتل حمزة ☺، كما مرَّ آنفاً.
          وقد أخرجه البخاري في «المغازي» أيضاً [خ¦4374]، وأخرجه مسلم في «الرُّؤيا»، وكذا الترمذي فيه بقصَّة الرُّؤيا دون قصَّة مسيلمة، والنَّسائي فيه أيضاً.


[1] في هامش الأصل: البيضاوي، كذا في الكرماني.
[2] في هامش الأصل: الصنعاني كذا في نسخة الكرماني.