نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث: لا تقوم الساعة حتى يقتتل فئتان دعواهما واحدة

          3608- (حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ) قال: (أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ) هو: ابنُ أبي حمزة (عَنِ الزُّهْرِيِّ) أنَّه قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ ☺ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلعم : (لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَقْتَتِلَ فِئَتَانِ) بكسر الفاء بعدها همزة مفتوحة تثنية: فئة، بمعنى الجماعة، ووصفهمَا في الرِّواية الأُخرى بالعِظَم؛ أي: الكثرة، والمراد بهما: من كان مع عليٍّ ومعاوية ☻ لما تحاربا بصفِّين.
          (دَعْوَاهُمَا وَاحِدَةٌ) أي: دينهما واحد؛ لأنَّ كلاًّ منهما كان يتسمَّى بالإسلام، أو المراد: أنَّ كلاًّ منهما كان يدَّعي أنَّه المحق، وذلك أنَّ علياً ☺ كان إذ ذاك إمام المسلمين وأفضلهم يومئذٍ باتِّفاق أهل السنَّة لأنَّ أهل الحلِّ والعقد بايعوه بعد قتلِ عثمان ☺ وتخلَّف عن بيعته أهل الشَّام.
          ثم خرجَ طلحة والزُّبير ومعهما عائشة ♥ إلى العراق فدعوا النَّاس إلى طلب قتلة عثمان ☺ لأنَّ الكثير منهم انضمُّوا إلى عسكر علي ☺، فراسلوه في ذلك، / فأبى أن يَدفعهم إليهم إلَّا بعد قيامِ دعوى من ولي الدَّم، وثبوتِ ذلك على من باشرهُ بنفسه، وكان بينهم ما سيأتي بسطه في «كتاب الفتن» إن شاء الله تعالى.
          ورحلَ عليٌّ ☺ بالعساكرِ طالباً أهل الشَّام داعياً لهم إلى الدُّخول في طاعتهِ مجيباً لهم عن شبههم في قتلةِ عثمان ☺ بما تقدَّم، فرحل معاوية بأهل الشَّام فالتقوا بصفِّين بين الشَّام والعراق وكانت بينهم مقتلةٌ عظيمةٌ كما أخبر به صلعم ، وآل الأمر إلى معاوية ☺ ومن معه عند ظهورِ علي ☺ عليهم إلى طلب التَّحكيم، ثمَّ رجعَ عليٌّ ☺ إلى العراق فخرجت عليه الحروريَّة فقتلَهُم بالنَّهروان ومات بعد ذلك.
          وخرجَ ابنُه الحسن بن علي ☻ بالعساكرِ لقتال أهل الشَّام وخرجَ إليه معاوية ☺ فوقعَ بينهم الصُّلح، كما أخبرَ به صلعم في حديث أبي بكرةَ الآتي في «الفتن» [خ¦7109]: ((إن الله يصلح بين فئتين من المسلمين)).
          وسيأتي بسطُ جميع ذلك هناك إن شاء الله تعالى.
          وقال الكرمانيُّ: قوله: دعواهما واحدةٌ؛ أي: يدَّعي كلٌّ منهما أنَّه على الحقِّ وخصمَه مبطلٌ، ولا بدَّ أن يكون أحدهما مصيباً والآخر مخطئاً، كما كان بين عليٍّ ومعاوية ☻ ، وكان علي ☺ هو المصيب ومخالفه مخطئٌ معذورٌ في الخطأ؛ لأنَّه بالاجتهادِ، والمجتهدُ إذا أخطأ لا إثم عليه، وقال صلعم : ((إذا أصابَ فله أجران، وإذا أخطأَ فله أجرٌ)) [خ¦7352] انتهى.
          ومطابقة الحديث للترجمة ظاهرةٌ.