نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث: يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام

          3611- (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ) قال: (أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ) هو: ابنُ عيينة (عَنِ الأَعْمَشِ) سليمانُ بن مهران (عَنْ خَيْثَمَةَ) بفتح الخاء المعجمة وسكون المثناة التحتية وفتح الثاء المثلثة، هو: ابنُ عبد الرَّحمن الجُعفي الكوفي، ورث مائتي ألف وأنفقَها على أهل العلم (عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ) بضم السين المهملة وفتح الواو على صيغة التَّصغير، وغَفَلة: بفتح الغين المعجمة والفاء، وقد مرَّ في أوَّل «كتاب اللُّقطة» [خ¦2426].
          (قَالَ) أي: إنَّه قال: (قَالَ عَلِيٌّ بْنُ أَبِي طَالِب ☺: إِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلعم فَلأَنْ أَخِرَّ) من الخرور، وهو الوقوع والسُّقوط، واللَّام لام الابتداء، وكلمة «أن» مصدريَّة (مِنَ السَّمَاءِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَكْذِبَ عَلَيْهِ، وَإِذَا حَدَّثْتُكُمْ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، فَإِنَّ الْحَرْبَ خدْعَةٌ) بفتح الخاء وضمها وكسرها، والظَّاهر إباحة حقيقة الكذب في الحرب لكن الاقتصار على التَّعريض أفضل، وقد تقدَّم ضبطُه وشرحه في «الجهاد» أيضاً [خ¦56/157-4735].
          (سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلعم يَقُولُ: يَأْتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ حُدَثَاءُ الأَسْنَانِ) أي: الصِّغار، وقد يُعبَّر عن السنِّ بالعمر، والحُدثاء جمع: حديث السِّن، وكذلك يقال: غلمان حُدْثان، بالضم (سُفَهَاءُ الأَحْلاَمِ) أي: ضُعفاء العقول، والسُّفهاء جمع: سفيه، وهو خفيف العقل (يَقُولُونَ مِنْ قَوْلِ خَيْرِ الْبَرِيَّةِ) أي: من السنَّة، وهو قول محمد صلعم .
          وقال الكرمانيُّ: ويروى: <من خير قول البريَّة>؛ أي: من القرآن، ويحتمل أن تكون الإضافة / من باب ما يكون المضاف داخلاً في المضاف إليه، وحينئذٍ يُراد به [السُّنة] لا القرآن، وهو كما قال الخوارج: لا حكم إلَّا لله في قضية التَّحكيم، وكانت كلمة حقٍّ لكن أرادوا بها باطلاً.
          وقال الحافظُ العسقلاني: قوله: ((يقولون من خير قول البرية))؛ أي: القرآن، كما في حديث أبي سعيد ☺ الذي قبله: ((يقرؤون القرآن)) [خ¦3610] وكان أوَّل كلمة خرجوا بها قولهم: لا حكم إلَّا لله، وانتزعوها من القرآن، يعني: من قوله تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} [يوسف:40] وحملوها على غيرِ محلِّها.
          (يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلاَمِ، كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، لاَ يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ) جمع: حَنجرة وهي رأسُ الغلصمةِ حيث تراه ناتئاً من خارجِ الحلق (فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّ في قَتْلِهِمْ أَجْرٌ لِمَنْ قَتَلَهُمْ) وفي رواية الكُشميهني: <فإن قتلهم أجرٌ لمن قتلهم> (يَوْمَ الْقِيَامَةِ) وإنما كان الأجرُ في قتلهم لأنَّهم يشغلون عن الجهاد، ويسعونَ بالفساد لافتراقِ كلمة المسلمين.
          وفي الحديث: إيجابُ قتال الخوارجِ على الأئمَّة، ومطابقتُه للترجمة ظاهرةٌ، وقد أخرجه البُخاري في «فضائل القرآن» [خ¦5057]، وفي «استتابة المرتدين» أيضاً [خ¦6930]، وأخرجه مسلم في «الزكاة»، وأبو داود في «السنة»، والنَّسائي في «المحاربة»، ولم يذكر صدر الحديث.