نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث: هلمي يا أم سليم ما عندك

          3578- (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ) قال: (أَخْبَرَنَا مَالِكٌ) الإمام / (عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ ☺ يَقُولُ: قَالَ أَبُو طَلْحَةَ) هو: زيدُ بن سهل الأنصاري زوج أمِّ سُليم والدة أنس ♥ ، وقد اتَّفقت الطُّرق على أن الحديث المذكور من مسند أنس ☺، وقد وافقه على ذلك أخوه لأمِّه عبد الله بن أبي طلحة فرواه مطولاً عن أبيه، أخرجه أبو يَعلى من طريقهِ بإسناد حسنٍ وأوَّله عن أبي طلحة قال: ((دخلت المسجدَ فعرفت في وجهِ رسول الله صلعم الجوع...)) الحديث.
          والمراد بالمسجدِ الموضع الذي أعدَّه النَّبي صلعم للصَّلاة فيه حين محاصرة الأحزاب للمدينة في غزوة الخندقِ.
          (لأُمِّ سُلَيْمٍ) واسمها: سهلة، أو غيرها على اختلافٍ فيه (لَقَدْ سَمِعْتُ صَوْتَ رَسُولِ اللَّهِ صلعم ضَعِيفاً أَعْرِفُ فِيهِ الْجُوعَ) فيه العمل بالقرائن، وعند أحمد من رواية مُبارك بن فَضَالة عن بكر بن عبد الله، وثابت عن أنس ☺: أنَّ أبا طلحة ☺ رأى رسولَ الله صلعم طاوياً.
          وعند أبي يَعلى من طريق محمد بن سيرين عن أنس ☺: أنَّ أبا طلحة بلغه أنَّه ليس عند رسول الله صلعم طعام فذهبَ فآجر نفسَه بصاعٍ من شعير يعملِ بقيَّة يومه ذلك، ثمَّ جاء به... الحديث.
          وفي رواية مسلم وأبي يَعلى من رواية عَمرو بن عبد الله بن أبي طلحة، وهو أخو إسحاق راوي الحديث عن أنسٍ ☺ قال: رأى أبو طلحة رسولَ الله صلعم مضطجعاً يتقلَّب ظهراً لبطن.
          وفي رواية لمسلم من طريق يعقوب بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس ☺ قال: جئتُ رسول الله صلعم فوجدتُه جالساً مع أصحابه يحدِّثهم وقد عَصب بطنَه بعصابةٍ، فسألتُ بعض أصحابه فقالوا: من الجوعِ، فذهبتُ إلى أبي طلحة فأخبرتُه فدخلَ على أمِّ سُليم فقال: هل من شيءٍ... الحديث.
          وعند أبي نُعيم من رواية محمد بن كعب عن أنس ☺: جاء أبو طلحة إلى أمِّ سُليم فقال: أعندَك شيءٌ فإني مررتُ على رسولِ الله صلعم وهو يُقرئ أصحابَ الصُّفَّة سورةَ النساء / وقد ربطَ على بطنهِ حجراً من الجوع.
          (فَهَلْ عِنْدَكِ مِنْ شَيْءٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، فَأَخْرَجَتْ أَقْرَاصاً مِنْ شَعِيرٍ) وعند أحمد من رواية محمد بن سيرين عن أنس ☺ قال: عمدتْ أمُّ سُليم إلى نصف مدٍّ من شعير فطحنته، وفي رواية للبخاري تأتي من هذا الوجه ومن غيره عن أنس ☺ [خ¦5450]: أنَّ أمَّه أم سُليم ♦ عمدتْ إلى مدٍّ من شعير جشَّتْه، ثم عملته.
          وفي رواية لأحمد ومسلم من حديث عبد الرَّحمن بن أبي ليلى عن أنس ☺: أتى أبو طلحة بمدَّين من شعيرٍ فأمرَ به فصنعَ طعاماً، ولا منافاةَ بين ذلك لاحتمال تعدُّد القصَّة، أو أنَّ بعض الرواة حفظ ما لم يحفظِ الآخر.
          وقال الحافظُ العسقلاني: ويمكن الجمعُ بأن يكون الشَّعير في الأصل كان صاعاً فردتْ بعضَه لعياله وبعضَه للنَّبي صلعم قال: ويدلُّ على التَّعدد ما بين العصيدة والخبز المفتوت الملتوتِ بالسَّمن من المغايرة.
          وقد وقع لأمِّ سُليم ♦ في شيء صنعتْه للنَّبي صلعم لما تزوَّج زينب بنت جحشٍ ♦ قريب من هذه القصَّة من تكثيرِ الطَّعام وإدخالِ عشرة عشرة، كما سيأتي في مكانه في الوليمة من «كتاب النِّكاح» إن شاء الله تعالى [خ¦5163].
          ووقع عند أحمد من رواية ابن سيرين عن أنس ☺: عمدتْ أمُّ سُليم ♦ إلى نصف مدٍّ من شعيرٍ فطحنتْه، ثمَّ عمدتْ إلى عكَّة كان فيها شيءٌ من سمنٍ فاتَّخذت منه خطيفةً... الحديث، والخطيفة: هي العصيدةُ وزناً ومعنىً.
          (ثُمَّ أَخْرَجَتْ خِمَاراً لَهَا فَلَفَّتِ الْخُبْزَ بِبَعْضِهِ، ثُمَّ دَسَّتْهُ تَحْتَ يَدي) قال العينيُّ: يقال: دسَّ الشيءَ يدسُّه دسًّا: إذا أدخلَه في الشَّيء بقهرٍ وقوَّة. وقال الكرمانيُّ: يقال: دسستُ الشَّيء: أخبيته.
          (وَلاَثَتْنِي بِبَعْضِهِ) أي: لفَّتني به، يقال: لاثَ العمامة على رأسهِ؛ أي: عصبها، وأصلُه من اللَّوث _بالمثلثة_ وهو اللَّف، ومنه لاثَ به النَّاس: إذا استداروا حوله وأحاطوا به.
          والمراد: أنَّها لفَّت بعضه على رأسهِ وبعضه على إبطهِ، وفي «الأطعمة» للبخاري [خ¦5381] عن إسماعيل بن أبي أويس / عن مالك في هذا الحديث: فلفَّت الخبز ببعضهِ ودسَّت الخبزَ تحت ثوبي وردتني ببعضهِ.
          (ثُمَّ أَرْسَلَتْنِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلعم ، قَالَ: فَذَهَبْتُ بِهِ) أي: قال أنس ☺: فذهبتُ بالخبز الذي أرسله أبو طلحة وأمُّ سُليم ☻ (فَوَجَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلعم فِي الْمَسْجِدِ وَمَعَهُ النَّاسُ فَقُمْتُ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ لِي رَسُولِ اللَّهِ صلعم : آرْسَلَكَ) بهمزة ممدودة للاستفهام على سبيل الاستخبار (أَبُو طَلْحَةَ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: بِطَعَامٍ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلعم لِمَنْ مَعَهُ: قُومُوا فَانْطَلَقَ، وَانْطَلَقْتُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ حَتَّى جِئْتُ أَبَا طَلْحَةَ فَأَخْبَرْتُهُ) ظاهره: أنَّ النَّبي صلعم فهم أنَّ أبا طلحة استدعاهُ إلى منزلهِ فلذلك قال لمن عندَه: قوموا، وأوَّل الكلام يقتضِي أنَّ أمَّ سُليم وأبا طلحة أرسلا الخبزَ مع أنس.
          فيُجمع بأنَّهما أرادا بإرسال الخبز مع أنس أن يأخذَه النَّبي صلعم فيأكله، فلمَّا وصل أنسٌ ورأى كثرةَ الناس حول النَّبي صلعم استحيى وظهر له أن يدعوَ النَّبي صلعم ليقومَ معه وحدَه إلى المنزلِ فيحصل مقصودهم من إطعامهِ.
          ويحتمل أن يكون ذلك عن رأي من أرسله، عَهِدَ إليه أنَّه إذا رأى كثرةَ الناس أن يستدعيَ النَّبي صلعم وحدَه خشية أن لا يَكفيهم ذلك الشَّيء إيَّاه ومن معه، وقد عرفوا إيثار النَّبي صلعم وأنَّه لا يأكلُ وحدَه.
          وقد وجد أكثر الرِّوايات تقتضِي أن أبا طلحة استدعى النَّبي صلعم في هذه الواقعة. ففي رواية سعد بن سعيد عن أنس ☺: بعثني أبو طلحة إلى النَّبي صلعم لأدعوهُ وقد جعل له طعاماً. وفي رواية عبد الرَّحمن بن أبي ليلى عن أنس ☺: أمر أبو طلحة أمَّ سُليم أن تصنعَ للنَّبي صلعم لنفسه خاصة، ثمَّ أرسلتني إليه. وفي رواية يعقوب بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس: فدخلَ أبو طلحة على أمِّي فقال: هل من شيءٍ؟ فقالت: نعم، عندي كسر من خبز، فإن جاءنا رسول الله صلعم وحدَه أشبعنَاه، وإن جاء أحدٌ معه قلَّ عنهم. وجميع ذلك عند مسلم، / وفي رواية مُبارك بن فَضَالة المذكورة أنَّ أبا طلحة ☺ قال: اعجنيهِ وأصلحيهِ عسى أن ندعوَ رسولَ الله صلعم فيأكلُ عندنا، ففعلتُ فقال: ادعُ رسول الله صلعم .
          وفي رواية يعقوب بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس ♥ عند أبي نُعيم وأصله عند مسلم: فقال لي أبو طلحة: يا أنسُ اذهبْ فقمْ قريباً من رسول الله صلعم فإذا قام فدعْه حتى يتفرَّق أصحابه، ثمَّ اتبعه حتى إذا قام على عتبةِ بابه، فقل له: إنَّ أبي يدعوك.
          وفي رواية عَمرو بن عبد الله بن أبي طلحة عند أبي يَعلى عن أنس ☺: قال لي أبو طلحة: اذهبْ فادع رسول الله صلعم . وعند البخاري في «الأطعمة» [خ¦5450] من رواية ابن سيرين عن أنس ☺: ثم بعثني إلى رسولِ الله صلعم فأتيته وهو في أصحابه فدعوته.
          وعند أحمد من رواية النَّضر بن أنس عن أبيه: قالت لي أمُّ سُليم: اذهبْ إلى رسول الله صلعم فقل له: إن رأيتَ أن تغدى عندنا فافعل. وفي راية عَمرو بن يحيى المازني عن أبيه عن أنس ☺ عند البغوي: فقال أبو طلحة: اذهبْ يا بني إلى النَّبي صلعم فادعه قال: فجئتُه فقلت له: إنَّ أبي يدعوك... الحديث.
          وفي رواية محمد بن كعب فقال: يا بُني اذهبْ إلى رسولِ الله صلعم فادعه ولا تدعُ معه غيره ولا تفضحني. ثم في رواية محمد بن كعب: فقال للقوم: انطلقوا فانطلقوا وهم ثمانون رجلاً. وفي رواية يعقوب: فلمَّا قلت له: إنَّ أبي يدعوك قال لأصحابه: يا هؤلاء تعالوا، ثمَّ أخذَ بيدي فشدَّها، ثمَّ أقبل بأصحابه حتَّى إذا دَنوا أرسلَ بيدِي فدخلتُ وأنا حزينٌ لكثرةِ من جاء معه.
          (فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: يَا أُمَّ سُلَيْمٍ قَدْ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلعم بِالنَّاسِ وَلَيْسَ عِنْدَنَا مَا نُطْعِمُهُمْ) أي: قدر ما يكفيهم (فَقَالَتْ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ) كأنها عرفتْ أنَّه فعل ذلك عمداً ليُظهر الكرامة والمعجزة في تكثيرِ ذلك الطَّعام، ودلَّ ذلك على فطنة أمِّ سُليم ورجحان عقلها. /
          (فانْطَلَقَ أَبُو طَلْحَةَ حَتَّى لَقِيَ رَسُولَ اللَّهِ صلعم ) وفي رواية مبارك بن فَضالة: ((فاستقبلَه أبو طلحة فقال: يا رسول الله، ما عندنا إلَّا قرصٌ عملتْه أمُّ سُليم)). وفي رواية سعد بن سعيد: ((فقال أبو طلحة: إنما صنعتُ لك شيئاً))، ونحوه في رواية ابن سيرين. وفي رواية عَمرو بن عبد الله فقال أبو طلحة: ((إنما هو قرصٌ فقال: إنَّ الله سيبارك فيه)). وفي رواية يعقوب: فقال أبو طلحة: ((يا رسول الله، إنَّما أرسلت أنساً يدعوَك وحدَك ولم يكن عندنا ما يُشبع من أرى، فقال: ادخلْ فإنَّ الله سيُبارك فيما عندك)). وفي رواية النَّضر بن أنس عن أنس: ((فدخلتُ على أمِّ سُليم وأنا مُندهش)). وفي رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى أنَّ أبا طلحة قال: ((يا أنس فضحتنَا))، وللطَّبراني في «الأوسط»: ((فجعل يرميني بالحجارة)).
          (فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلعم وَأَبُو طَلْحَةَ مَعَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلعم : هَلُمِّي يَا أُمَّ سُلَيْمٍ مَا عِنْدَكِ) كذا في رواية أبي ذرٍّ عن الكُشميهني، وفي رواية غيره: <هلم> وهي لغة حجازيَّة فإنَّ عندهم لا يُؤنث ولا يُثنى ولا يُجمع، ومنه قوله تعالى: {وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا} [الأحزاب:18] والمراد من ذلك طلب ما عندها.
          (فَأَتَتْ بِذَلِكَ الْخُبْزِ، فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلعم فَفُتَّ وَعَصَرَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ عُكَّةً) بضم العين المهملة وتشديد الكاف، إناءٌ من جلد مستديرٍ يُجعل فيه السَّمن غالباً والعسل. وفي رواية مُبارك بن فَضالة فقال: هل من سمن؟ فقال أبو طلحة: قد كان في العكة شيءٌ فجاء بها فجعلا يَعصرانها حتى خرجَ، ثمَّ مسحَ رسول الله صلعم به سبَّابته، ثم مسحَ القرص فانتفخَ، وقال: بسم الله، فلم يزلْ يصنع ذلك والقرصُ ينتفخُ حتى رأيت القرص في الجفنة يتميَّع. وفي رواية سعد بن سعيد: ((فمسَّها رسول الله صلعم ودعا فيها بالبركةِ)). وفي رواية النَّضر بن أنس: ((فجئتُ بها ففتحَ رباطها، ثمَّ قال: بسم الله اللَّهمَّ أعظمْ فيها البركة)) وعُرفَ بهذا المراد بقوله: «فقال فيها ما شاء أن يقول».
          (فَأَدَمَتْهُ) أي: صيرت ما خرجَ من العُكَّة للمفتوت / إداماً، يقال: أدم فلان الخبز باللَّحم يأدِمُه _بالكسر_، وقال الخطَّابي: أدمته؛ أي: أصلحتْه بالإدام.
          (ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلعم فِيهِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ، ثُمَّ قَالَ: ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ) أي: ائذن بالدُّخول لعشرة أنفسٍ (فَأَذِنَ لَهُمْ) إنَّما أذن لعشرة؛ ليكون أرفقَ بهم. وظاهره أنَّه صلعم دخلَ منزل أبي طَلحة وحدَه، وجاء ذلك صريحاً في رواية عبد الرَّحمن بن أبي ليلى، ولفظه: فلمَّا انتهى رسول الله صلعم إلى الباب، فقال لهم: اقعدوا ودخل... الحديث.
          فإن قيل: في رواية يعقوب: أدخِلْ عليَّ ثمانيةً فما زالَ حتى دخلَ عليه ثمانون رجلاً، ثمَّ دعاني ودعا أمِّي وأبا طلحةَ فأكلنا حتى شبعنَا.
          فالجواب: أنَّه يُحملُ على تعدد القصَّة وأكثر الرِّوايات عشرة، فيها أنَّه أدخلهم عشرةً عشرةً سوى هذه فقال: إنه أدخلهم ثمانية ثمانية، والله تعالى أعلم.
          (فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا) وفي رواية مبارك بن فَضَالة: فوضعَ يدَه وسطَ القرص، وقال: ((كلوا بسم الله)) فأكلوا من حوالي القصعة حتَّى شبعوا. وفي رواية بكر بن عبد الله، فقال لهم: ((كلوا من بين أصابعي)).
          (ثُمَّ خَرَجُوا) وفي رواية عبد الرَّحمن بن أبي ليلى، ثمَّ قال لهم: ((قوموا وليدخلْ عشرة مكانكم)) (ثُمَّ قَالَ: ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ فَأَذِنَ لَهُمْ، فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ خَرَجُوا، ثُمَّ قَالَ: ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ فَأَذِنَ لَهُمْ، فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ خَرَجُوا، ثُمَّ قَالَ: ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ فَأَكَلَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ وَشَبِعُوا، وَالْقَوْمُ سَبْعُونَ أَوْ ثَمَانُونَ رَجُلاً) كذا وقع بالشَّك هنا، وفي غير هذا الموضع الجزم بالثَّمانين، كما تقدَّم من رواية محمد بن كعب وغيره. وفي روايةِ مُبارك بن فضالة: ((حتى أكلَ منه بضعة وثمانون رجلاً)). وفي رواية عبد الرَّحمن بن أبي ليلى: ((حتَّى فعلَ ذلك بثمانين رجلاً، ثمَّ أكل النَّبي صلعم بعد ذلك وأهل البيت وتركوا سؤراً))؛ أي: فضلاً.
          وفي روايته عند أحمد: ((قلتُ: كم كانوا؟ قال: كانوا نيفاً وثمانين، قال: وأفضل لأهل البيت ما يشبعهم)).
          ولا منافاةَ بينهما لاحتمال أن يكون ألغى _الكسر_، ولكن وقع في رواية / ابن سيرين عند أحمد: حتى أكلَ منه أربعون رجلاً وبقيتْ كما هي، وهذا يؤيِّد التَّغاير الذي أُشير إليه، وأنَّ القصَّة التي رواها ابنُ سيرين غير القصَّة التي رواها غيره. وزاد مسلمٌ في رواية عبدِ الله بن أبي طلحة: ((وأَفْضَلوا ما بلغوا جِيرانهم)). وفي رواية عَمرو بن عبد الله: ((وفضلتْ فضلةٌ فأهدينَا لجيراننا)).
          ونحوه عند أبي نُعيم من رواية عُمَارة بن غزيَّة عن ربيعة عن أنس ☺ بلفظ: ((حتى أهدتْ أمُّ سُليم لجيرانها)). وفي رواية مسلم من حديث سعد بن سعيد: ((حتى لم يبقَ منهم أحدٌ إلَّا دخل يأكل حتى شبعَ)). وفي روايةٍ له من هذا الوجه: ((ثمَّ أخذَ ما بقيَ فجمعه، ثمَّ دعا فيه بالبركة، فعاد كما كان)).
          وقد تقدَّم الكلامُ على شيءٍ من فوائد هذا الحديث في «أبواب المساجد»، من أوائل «كتاب الصلاة» [خ¦422].
          ومطابقته للترجمة ظاهرةٌ، وقد أخرجه البخاري في «الأطعمة» [خ¦5450] و«النذر» أيضاً [خ¦6688]، وأخرجه مسلم في «الأطعمة»، والترمذي في «المناقب»، والنَّسائي في «الوليمة».