إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس

          444- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ) التِّنِّيسيُّ (قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ) الإمام (عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ) بن العوَّام القرشيِّ المدنيِّ (عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ) بفتح العين وضمِّ السِّين (الزُّرَقِيِّ) بضمِّ الزَّاي وفتح الرَّاء وبالقاف، الأنصاريِّ (عَنْ أَبِي قَتَادَةَ) الحارث _بالمُثلَّثة_ ابن رِبْعِيٍّ، بكسر الرَّاء وتسكين(1) المُوحَّدة (السَّلَمِيِّ) بفتحتين / وفي آخره ميمٌ كذا ضبطه الأَصيليُّ والجيَّانيُّ لأنَّه من الأنصار، قال القاضي عياضٌ: وأهل العربيَّة يفتحون اللَّام؛ لكراهة توالي الكسرات، وضبطه الأكثرون بكسر اللَّام، نسبةً إلى سَلِمة، بكسرها، المُتوفَّى بالمدينة سنة أربعٍ وخمسين (أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم قَالَ: إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ المَسْجِدَ) أي: وهو متوضِّئٌ (فَلْيَرْكَعْ) أي: فليصلِّ ندبًا (رَكْعَتَيْنِ) تحيَّة المسجد (قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ) تعظيمًا للبقعة(2)، فلو خالف وجلس هل يُشرَع له التَّدارك؟ صرَّح جماعةٌ بأنَّه لا يُشرَع له التَّدارك، ولو جلس سهوًا وقَصُرَ الفصلُ شُرِع له ذلك، كما جزم به في «التَّحقيق»، ونقله في «الرَّوضة» عن ابن عبدان واستغربه، وأيَّده بأنَّه صلعم قال وهو قاعدٌ على المنبر يوم الجمعة لسُلَيْكٍ الغَطَفَانِيِّ لمَّا قعد قبل أن يصلِّي: (قُمْ فَارْكَعْ رَكْعَتَيْن) إذ(3) مقتضاه _كما في «المجموع»_ أنَّه(4) إذا تركها جهلًا أو سهوًا شُرِع له فعلُها إن قَصُرَ الفصلُ، قال: وهو المختار، قال في «شرح المُهذَب»: فإن صلَّى أكثر من ركعتين بتسليمةٍ واحدةٍ جاز، وكانت كلُّها تحيَّةً لاشتمالها على الرَّكعتين، وتحصل بفرضٍ أو نفلٍ آخر، سواءٌ نُوِيت معه أم لا لأنَّ المقصود وجود صلاةٍ قبل الجلوس، وقد وُجِدت بما ذُكِر، ولا تضرُّه نيَّة التَّحيَّة لأنَّها سُنَّةٌ(5) غير مقصودةٍ بخلاف نيَّة فرضٍ وسُنَّةٍ مقصودةٍ فلا تصحُّ، ولا تحصل بركعةٍ ولا بجنازةٍ، وسجدة تلاوةٍ وشكرٍ على الصَّحيح، ولا تُسَنُّ لداخل المسجد الحرام لاشتغاله بالطَّواف، واندراجها تحت ركعتيه، ولا إذا اشتغل الإمام بالفرض لحديث «الصَّحيحين»: «إذا أُقِيمت الصَّلاة فلا صلاة إِلَّا المكتوبة» ولا إذا شرع المؤذِّن في إقامة الصَّلاة، أو قرب إقامتها، ولا للخطيب يوم الجمعة عند صعوده المنبر على الأصحِّ(6) في «الرَّوضة»، ولو دخل وقت كراهةٍ كُرِه له أن يصلِّيَها في قول أبي حنيفة‼ وأصحابه ومالكٍ، والصَّحيح من مذهب الشَّافعيِّ عدم الكراهة.
          ورواة هذا الحديث كلُّهم مدنيُّون إلَّا الأوَّل، وفيه: التَّحديث والإخبار والعنعنة، وأخرجه مسلمٌ وأبو داود والتِّرمذيُّ والنَّسائيُّ.


[1] في (ص): «سكون».
[2] في (م): «للتَّحيَّة».
[3] في (م): «أو».
[4] «أنَّه»: ليس في (د).
[5] «سنَّةٌ»: ليس في (م).
[6] في (ص): «الصَّحيح».