إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: يا بني النجار ثامنوني بحائطكم هذا

          428- وبه قال: (حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ) هو ابن مسرهدٍ (قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ) بن سعيدٍ التَّميميُّ (عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ) بفتح المُثنَّاة الفوقيَّة وتشديد التَّحتيَّة آخره مُهمَلة، يزيد بن حُمَيْدٍ الضُّبَعيِّ (عَنْ أَنَسٍ) وللأَصيليِّ: ”أنس بن مالكٍ“ (قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صلعم المَدِينَةَ فَنَزَلَ أَعْلَى) وللأَصيليِّ: ”في أعلى“ (المَدِينَةِ‼ فِي حَيٍّ) بتشديد الياء، قبيلةٌ (يُقَالُ لَهُمْ: بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ) بفتح العين فيهما (فَأَقَامَ النَّبِيُّ صلعم فِيهِمْ أَرْبَعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً) ولأبوي ذَرٍّ والوقت وابن عساكر في نسخةٍ: ”أربعًا وعشرين“ وصوَّب الحافظ ابن حجرٍ الأولى، قال: وكذا رواه أبو داود عن مُسدَّدٍ شيخ المؤلِّف فيه(1) (ثُمَّ / أَرْسَلَ) ╕ (إِلَى بَنِي النَّجَّارِ) أخواله ╕ (فَجَاؤُوا) حال كونهم (مُتَقَلِّدِي السُّيُوفِ) بالجرِّ وحذف نون «متقلِّدين» للإضافة، كذا في رواية كريمة، وفي روايةٍ: ”متقلِّدين“ بإثبات النُّون، فلا إضافة، و«السُّيوف» نُصب بـ «متقلِّدين» أي: جعلوا نجاد(2) السَّيف على المنكب خوفًا من اليهود، ولِيُروه ما أعدُّوه لنصرته ╕ (كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ صلعم عَلَى رَاحِلَتِهِ) أي: ناقته القصواء (وَأَبُو بَكْرٍ) الصِّدِّيق (رِدْفُهُ) بكسر الرَّاء وسكون الدَّال المهملة(3)، جملةٌ اسميَّةٌ حاليَّةٌ، أي: راكبٌ خلفه، ولعلَّه ╕ أراد تشريف أبي بكرٍ بذلك وتنويهًا بقدره، وإِلَّا فقد كان له ☺ ناقةٌ (وَمَلأُ بَنِي النَّجَّارِ) أي: أشرافهم أو جماعتهم يمشون (حَوْلَهُ) ╕ أدبًا، والجملة حاليَّةٌ (حَتَّى أَلْقَى) أي: طرح رحله (بِفِنَاءِ) بكسر الفاء والمدِّ، أي: بناحيةٍ متَّسعةٍ أمام دار (أَبِي أَيُّوبَ) خالد بن زيدٍ الأنصاريِّ (وَكَانَ) رسول الله صلعم (يُحِبُّ أَنْ يُصَلِّيَ حَيْثُ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ، وَيُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الغَنَمِ) جمع: مربضٍ، أي: مأواها (وَإِنَّهُ) بكسر الهمزة، وفي فرع «اليونينيَّة» بفتحها، أي: النَّبيُّ صلعم (أَمَرَ) بفتح الهمزة (بِبِنَاءِ المَسْجِدِ) بكسر الجيم، وقد تُفتَح (فَأَرْسَلَ إِلَى مَلإٍ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ) وللأربعة: ”إلى ملأ بني النَّجَّار“ بإسقاط: ”من“ (فَقَالَ: يَا بَنِي النَّجَّارِ، ثَامِنُونِي) بالمُثلَّثة، أي: ساوموني (بِحَائِطِكُمْ) أي: ببستانكم (هَذَا، قَالُوا: لَا وَاللهِ، لَا نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلَّا إِلَى اللهِ) ╡ ، أي: «من الله» كما وقع عند الإسماعيليِّ (فَقَالَ) ولابن عساكر: ”قال“ (أَنَسٌ) ☺ : (فَكَانَ فِيهِ) أي: في الحائط (مَا أَقُولُ لَكُمْ، قُبُورُ المُشْرِكِينَ) بالرَّفع بدلٌ، أو بيانٌ لقوله: ما أقول لكم (وَفِيهِ خَرِبٌ) بفتح الخاء المعجمة وكسر الرَّاء، اسم جمع وَاحِدُهُ خِرْبَةٌ، كَكَلِمٍ وكِلْمةٍ، ولأبي ذَرٍّ: ”خِرَب“ بكسر الخاء وفتح الرَّاء، جمع: خِرَبَةٍ كعِنَبٍ وعِنَبةٍ (وَفِيهِ نَخْلٌ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صلعم بِقُبُورِ المُشْرِكِينَ فَنُبِشَتْ) وبالعظام فغُيِّبت(4) (ثُمَّ بِالخَرِبِ) بفتح الخاء وكسر الرَّاء (فَسُوِّيَتْ) بإزالة ما كان في تلك الخِرَب (وَ) أمر (بِالنَّخْلِ فَقُطِعَ، فَصَفُّوا النَّخْلَ قِبْلَةَ المَسْجِدِ) أي: في جهتها (وَجَعَلُوا عِضَادَتَيْهِ الحِجَارَةَ) تثنية عِضادةٍ، بكسر العين، قال صاحب «العين»: أعضاد كلِّ شيءٍ: ما يشدُّه من حواليه، وعِضادتا الباب: ما كان عليهما يُغلَق الباب إذا أُصفِق (وَجَعَلُوا يَنْقُلُونَ الصَّخْرَ، وَهُمْ يَرْتَجِزُونَ) أي: يتعاطون الرَّجز تنشيطًا لنفوسهم ليسهل عليهم العمل (وَالنَّبِيُّ صلعم )‼ يرتجز (مَعَهُمْ) جملةٌ حاليَّةٌ كقوله(5): (وَهُوَ) ╕ (يَقُولُ: اللَّهُمَّ لَا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُ الآخِرَهْ، فَاغْفِرْ لِلأَنْصَارِ) الأوس والخزرج الَّذين نصروه على أعدائه (وَالمُهَاجِرَهْ) الَّذين هاجروا من مكَّة إلى المدينة محبَّةً فيه ╕ _بسكون الهاء الأخيرة من المُهاجِرَهْ في «اليونينيَّة»(6)_ وطلبًا للأجْر، وللمُستملي: ”فاغفر الأنصار“ على تضمين «اغفر» معنى: «استر»، واستُشكِل قوله ╕ هذا مع قوله تعالى: { وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ }[يس:69] وأُجيب بأنَّ الممتنع عليه صلعم إنشاء الشِّعر لا إنشاده، على أنَّ الخليل ما عدَّ المشطور من الرَّجز(7) شعرًا، هذا وقد قِيلَ: إنَّه ╕ قالهما بالتَّاء متحرِّكةً، فخرج عن وزن الشِّعر.
          ورواة هذا الحديث كلُّهم بصريُّون، وفيه: التَّحديث والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلِّف في «الصَّلاة» [خ¦429] و«الوصايا» [خ¦2771] و«الهجرة» [خ¦3911] و«الحجِّ» [خ¦1769] و«البيوع» [خ¦1769]، ومسلمٌ في «الصَّلاة»، وكذا أبو داود والنَّسائيُّ وابن ماجه، وتأتي بقيَّة مباحثه إن شاء الله تعالى.


[1] «فيه»: ليس في (د).
[2] في (م): «اتِّخاذ».
[3] «المهملة»: مثبتٌ من (ص) و(م).
[4] في (م): «فنُبِشت».
[5] في (ص): «لقولها».
[6] قوله: «بسكون الهاء الأخيرة من المُهاجِرَهْ في اليونينيَّة» مثبتٌ من (م).
[7] «من الرَّجز»: ليس في (م).