إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم وائتوني

          373- وبه(1) قال: (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ ابْنُ يُونُسَ) نسبه لجدِّه لشهرته به، وأبوه عبد الله (قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ) بسكون العين، ابن إبراهيم بن عبد الرَّحمن بن عوفٍ (قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ) الزُّهريُّ، ولابن عساكر: ”عن ابن شهاب“ (عَنْ عُرْوَةَ) بن الزُّبير بن العوَّام (عَنْ عَائِشَةَ) ♦ : (أَنَّ النَّبِيَّ صلعم صَلَّى فِي خَمِيصَةٍ) بفتح الخاء المُعجمَة وكسر الميم وبالصَّاد المُهمَلة: كساءٌ أسودُ مُربَّعٌ (لَهَا أَعْلَامٌ) جملةٌ وقعت صفةً لـ «خميصةٍ» (فَنَظَرَ) ╕ (إِلَى أَعْلَامِهَا نَظْرَةً، فَلَمَّا انْصَرَفَ) من صلاته (قَالَ: اذْهَبُوا بِخَمِيصَتِي هَذِهِ إِلَى أَبِي جَهْمٍ) بفتح الجيم وسكون الهاء، عامر بن حذيفة العدويِّ القرشيِّ المدنيِّ، أسلم يوم الفتح، وتُوفِّي في آخر خلافة معاوية (وَائْتُونِي بِأَنْبِجَانِيَّةِ أَبِي جَهْمٍ) بفتح الهمزة وسكون النُّون وكسر المُوحَّدة وتخفيف الجيم، وبعد / النُّون ياءُ نسبةٍ مشدَّدةٍ: كساءٌ غليظٌ لا عَلَم له، ويجوز كسر الهمزة وسكون النُّون(2) وفتح المُوحدَّة وتخفيف المُثنَّاة، قال ابن قرقولٍ: نسبةً إلى مَنْبِجٍ _بفتح الميم وكسر المُوحَّدة_ موضعٌ بالشَّام، وقِيلَ(3): نسبةً إلى موضعٍ يُقال له: أنبجان، وفي هذه قال ثعلبٌ: يُقَال: كساءٌ أنبجانيٌّ، وهذا هو الأقرب إلى الصَّواب في لفظ الحديث. انتهى. (فَإِنَّهَا) أي: الخميصة(4) (أَلْهَتْنِي) من لهي بالكسر، لا من «لها لهوًا» إذا لعب، أي: شغلتني (آنِفًا) أي: قريبًا (عَنْ صَلَاتِي) وعند مالكٍ في «المُوطَّأ»: «فإنِّي نظرت إلى عَلَمِها في الصَّلاة فكاد يفتنني(5)» وفي التَّعليق الآتي _إن شاء الله تعالى_ قريبًا: «فأخاف أن تفتنني(6)» فيُحمَل قوله: «ألهتني» على قوله: «كاد»، فيكون الإطلاق للمُبالَغة في القرب، لا لتحقُّق(7) وقوع الإلهاء، ولا يُقال: إنَّ المعنى شغلتني عن كمال الحضور في صلاتي لأنَّا نقول: قوله في التَّعليق الآتي: «فأخاف أن تفتنني» يدلُّ على نفي(8) وقوع ذلك، وقد يُقال: إنَّ له ╕ حالَّتين: حالةً بشريَّةً، وحالةً يختصُّ بها خارجةً عن ذلك فبالنَّظر إلى الحالة البشريَّة قال: ألهتني، وبالنَّظر إلى الحالة الثَّانية لم يجزم به(9) بل قال: أخاف، ولا يلزم من ذلك الوقوع، ونزع الخميصة ليُسْتَنَّ به في ترك كلِّ شاغلٍ، وليس المراد: أنَّ أبا جَهْمٍ يصلِّي في الخميصة لأنَّه ╕ لم يكن ليبعث إلى غيره بما(10) يكرهه لنفسه، فهو كإهداء الحُلَّة لعمر ☺ مع تحريم لباسها عليه لينتفع بها ببيعٍ أو غيره.
          واستُنبِط من الحديث: الحثُّ على حضور القلب في الصَّلاة، وترك ما يؤدِّي إلى شغله كزخرفة المساجد، وعند ابن ماجه من حديث عمر ☺ مرفوعًا: «ما ساء عمل قوم إلَّا(11) زخرفوا مساجدهم»(12)، وقد شهد القرآن بالفَلَاح للمُصلِّين الخاشعين، والفلاح أجمعُ اسمٍ لسعادة الآخرة، وبانتفاء الخشوع ينتفي‼ الفلاح، فالمصلِّي يناجي ربَّه، فعظِّم في نفسك قدر مناجاته، وانظر مَن تناجي؟ وكيف تناجي؟ وبماذا تناجي؟ فاعلم واعمل تَسْلَم.
          ورواة هذا الحديث ما بين كوفيٍّ ومدنيِّين، وفيه: رواية تابعيٍّ عن تابعيٍّ عن صحابيَّةٍ، والتَّحديث والعنعنة.
           (وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ) بن الزُّبير: (عَنْ أَبِيهِ) عروة (عَنْ عَائِشَةَ) ♦ ممَّا رواه مسلمٌ وغيره بالمعنى. قالت: (قَالَ النَّبِيُّ صلعم : كُنْتُ أَنْظُرُ إِلَى عَلَمِهَا) أي: الخميصة (وَأَنَا فِي الصَّلَاةِ) جملةٌ حاليَّةٌ (فَأَخَافُ أَنْ تَفْتِنَنِي) بفتح المُثنَّاة الفوقيَّة وكسر الثَّانية وبالنُّونين، من باب «ضرَب يضرِب»، وفي روايةٍ: ”يفتنني“(13) بفتح المُثنَّاة التَّحتيَّة في أوَّله بدل الفوقيَّة.


[1] في (د): «وبالسَّند».
[2] «وسكون النُّون»: مثبتٌ من (ب) و(س).
[3] في (د): «ويقال».
[4] في (د) و(ص) و(ج): «الأنبجانيَّة».
[5] في (م): «يفتنِّي».
[6] في (س): «يفتلني»، وهو تحريفٌ.
[7] في (د): «لتحقيق».
[8] في (د): «عدم».
[9] «به»: ليس في (د).
[10] في (د): «ممَّا».
[11] «إلا»: سقط من (م).
[12] قوله: «كزخرفة المساجد، وعند ابن ماجه... زخرفوا مساجدهم» مثبتٌ من (م).
[13] في (د): «يفتنِّي».