التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب إخراج الخصوم وأهل الريب من البيوت بعد المعرفة

          ░52▒ بَابُ إِخْرَاجِ الْخُصُومِ وَأَهْلِ الرِّيَبِ مِنَ الْبُيُوتِ بَعْدَ الْمَعْرِفَةِ
          وَقَدْ أَخْرَجَ عُمَرُ ☺ أُخْتَ أَبِي بَكْرٍ ☺ حِينَ نَاحَتْ.
          7224- ثمَّ ساقَ حديثَ أَبِي هُرَيْرَةَ ☺: أَنَّ رَسُولَ الله صلعم قَالَ: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِحَطَبٍ فيُحْتَطَبُ). الحديث، سَلَفَ في الصَّلاةِ في بابِ وجوبِ صلاةِ الجماعة [خ¦644].
          قال المُهَلَّب: إخراجُ أهلِ الرِّيَبِ والمعاصِي مِن دُورِهم بعد المعرفة بهم واجبٌ على الإمامِ لِأَجْلِ تأذِّي مَن جاورَهم، ومِن أجْلِ مجاهرتِهم بالعصيان، وإذا لم يُعرَفُوا بأعيانِهم فلا يلزمُ البحثُ عن أمْرِهم لأنَّه مِن التَّجَسُّسِ الذي نُهِيَ عنه، وليس للسُّلطانِ أنْ يرْفَعَ سِتْرَ اختفائهم حتَّى يُعلِنُوا إعلانًا يُعرَفون به لِقولِه عن الله تعالى: ((كلُّ عِبَادِي مُعَافَوْنَ إلَّا المجاهرون)) فحينئذٍ يجب على السُّلطانِ تعييرُه والنَّكَالُ فيه كما صنعَ بأختِ الصِّدِّيقِ حين ناحَتْ.
          وقال غيرُه: ليس إخراجُ أهلِ المعاصي بواجبٍ، فَمَن ثَبَتَ عليه ما يوجِبُ الحدَّ أُقيم عليه، وإنَّما أخرج عُمَرُ ☺ تلك لأنَّه نهاها عن النِّيَاحةِ فلمْ تَنْتَهِ فأبعدَها عن نفْسِه لا أنَّه أبعدَها عن البيتِ أبدًا لأنَّها رَجَعَتْ بعد ذلك إلى بيتِها.
          وقد رَوَى أبو زيدٍ عن ابنِ القاسم في رجلٍ فاسدٍ يَأوي إليه أهلُ الفِسق والشَّرِّ ما يُصنَعُ به؟ قال: يُخرَجُ مِن منزلِه وتخَارَجُ عليه الدَّارُ، قلتُ: لا تُباعُ عليه؟ قال: لا لعلَّه يتوبُ فيرجعُ إلى منزلِه، قال ابنُ القاسم: ويتقدَّم إليه مرَّةً أو مرَّتينِ أو ثلاثًا، فإنْ لمْ يَنْتَهِ أُخرِجَ وأُكْرِيَتْ عليه. وقد مرَّ هذا المعنى في آخرِ الجِهَاد في بابِ أَمْرِهِ ◙ بإخراج المشركين مِن جزيرة العرب.
          فَصْلٌ: فيه مِن الفوائدِ الرُّعبةُ لمن تَرَكَ صلاةَ الجماعةَ مِن غيرِ عُذْرٍ. وفيه جوازُ العقوبةِ بالمالِ كالعِتْقِ بالمُثْلَةِ.
          فَصْلٌ: المِرْمَاةُ المذكورةُ في الحديثِ بِكسْرِ الميمِ وفتْحِها، حديدةٌ كالسِّنانِ كانتِ الجاهليَّةُ يُكَوِّمُونَ كَوْمًا مِن ترابٍ ويَبْعُدون عنه ويَرْمُونَه بتلك الحديدةِ فأيُّهم أثْبَتَها فيه فهو غالبٌ، قاله ابنُ وضَّاحٍ، وقال مالكٌ: المَرْمَاتِين: السهمانين، وقال أبو عُبَيدٍ: هما ما بين ظِلْفَيِ الشَّاةِ، قال: وهذا حرفٌ لا أعرفُهُ ولا أدري تفسيرَه.
          فَصْلٌ: معنى الحديثِ أنَّ المنافقين كانوا يتخلَّفُون عن شهودِ الجماعةِ معه ◙ فهَمَّ بتَحْرِيقِ بيوتِهم عقوبةً لهم، ثمَّ أخبرَ ◙ بِحقَارَةِ ما يُبَادِرون إليه مِن العَظْمِ والمِرْمَاتين وعدمِ ما يتخلَّفُون عنه في شُهُودِ الصَّلاة في مسجدٍ معه، وأتاهم ◙ يُحرِّق بيوتَهم ولم يَفْعل لأنَّه ◙ لم يتقدَّم إليه في ذلك.