التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب كتاب الحاكم إلى عماله والقاضي إلى أمنائه

          ░38▒ بَابُ كِتَابِ الْحَاكِمِ إِلَى عُمَّالِهِ، وَالْقَاضِي إِلَى أُمَنَائِهِ
          7192- ذَكَرَ فيه حديثَ أَبِي لَيْلَى بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَهْلٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ هُوَ وَرِجَالٌ مِنْ كُبَرَاءِ قَوْمِهِ. الحديث بِطُولِه في القَسَامةِ وقد سلف [خ¦2702].
          وموضع الحاجةِ منه هنا أنَّه ◙ كَتَبَ إلى أهلِ خَيْبرَ: (إِمَّا أَنْ يَدُوا صَاحِبَكُمْ، وَإِمَّا أَنْ يُؤْذِنُوا بِحَرْبٍ) (فَكَتَبُوا: مَا قَتَلْنَاهُ).
          وهذا الحديثُ أخرجه البُخَارِيُّ هنا عن عبدِ اللهِ بنِ يُوسُفَ عن مالكٍ عن أبي ليلى، وعن إسماعيلَ عن مالكٍ، عن أبي ليلى به، وذَكَرَ ابنُ الحذَّاء أنَّ روايةَ يَحيى بنِ بُكَيرٍ وابنِ القاسمِ عن مالكٍ عن أبي ليلى عبدِ اللهِ بنِ سَهْلٍ، وكذلك قال ابنُ إِسْحَاقَ والبُخَارِيُّ ومُسلمٌ: أبو ليلى عبدُ الله بن سَهْلٍ، وهو الصَّوابُ إن شاء الله، وهو أبو ليلى عبدُ الله بن سَهْلِ بنِ عبد الرَّحمنِ أخي أبي لَيلَى عبدِ اللهِ المقتولِ بخيبرَ، ابْنَي سَهْلِ بنِ زَيْدِ بن كَعْبِ بن عامرِ بن عَدِيِّ بن مَجْدَعةَ بن حارثةَ بنِ الحارثِ بن الخزرجِ بن عَمْرو بن مالكِ بن الأوسِ بن حارثَةَ.
          رَوَى له البُخَارِيُّ ومُسلمٌ وأبو داودَ والتِّرْمِذِيُّ وابنُ ماجه، شهِدَ عبدُ الرحمن جدُّه وأَخَوَاهُ أُحُدًا مع أخيه مُحَيِّصَةَ وتأخَّر إسلامُ حُوَيِّصةَ بعد الخندق وقُرَيظة، ونُهِشَ عبدُ الرَّحمنِ بِحَرَّةِ الأفاعي وهي على ثمانيةِ أميالٍ مِن الأبواءِ وهو ذاهبٌ إلى مكَّةَ، فَأَمَرَ ◙ عُمَارةَ بن حَزْمٍ أنْ يَرْقِيَهُ فَرَقَاهُ وهي رُقْيةُ آل حزمٍ كانوا يتوارثونَها، وعاش عبدُ الرَّحمن حتَّى كانت خلافةُ عُمَرَ ☺ فولَّاه البصرةَ حين مات عُتْبةُ بن غَزْوانَ، فلم يلبَثْ عليها إلَّا خمسًا وأربعين ليلةً حتَّى ماتَ، فاستخلفَ على البصرةِ العَلاءَ بنَ الحَضْرَميِّ.
          وسهْلُ بنُ أبي حَثْمَةَ _عبدِ اللهِ، / وقيل: عامِرِ_ بنِ ساعِدَةَ بن عامِرِ بن عَدِيِّ بن جُشَمِ بن مَجْدَعةَ بن حارِثَةَ، وُلِدَ سنةَ ثلاثٍ مِن الهجرةِ، وحفِظَ عن رسولِ الله صلعم، وأبوه كان دليلَ رسولِ الله صلعم لَمَّا مَضَى إلى أُحُدٍ، وبعثَهُ خارصًا إلى خَيْبرَ بعدَ جَبَّارِ بن صَخْرٍ، وبعثَه الصِّدِّيقُ والفاروقُ وعثمانُ، وماتَ أوَّلَ خلافةِ مُعَاويَةَ وقيل في خلافةِ عُمَرَ.
          وأُمامةُ بنتُ عبدِ الرَّحمنِ بنِ سَهْلِ بن زَيْدٍ كانت تحتَ سَهْلِ بنِ أبي حَثْمةَ، ومنهم مَن يَنْسِبُ أبا ليلى إلى سهلِ بْنِ أبي حثْمَةَ وهو وَهَمٌ.
          وكان عبدُ الرَّحمنِ بن سَهْلٍ له فَهْمٌ وعِلْمٌ، رُوي أنَّه جاءت جدَّتانِ إلى الصِّدِّيق فأعطى السُّدُسَ أمَّ الأمِّ دونَ أمِّ الأبِ، فقال له عبدُ الرَّحمنِ بنُ سَهْلٍ: يا خليفةَ رسولِ الله أعطيتَ الَّتي لو ماتتْ لم يَرِثْها وتركتَ الَّتي لو ماتتْ وَرِثَها، فَجَعَلَهُ الصِّدِّيق بينهما.
          فَصْلٌ في ألفاظِه: قولُه: (مِنْ جَهْدٍ أَصَابَهُمْ) يعني شِدَّةً. والفَقِيرُ البِئر، وقيل: هو حَفِيرٌ يُتَّخَذُ في السَّرَبِ الَّذي يُصنَعُ للماءِ تحت الأرضِ يُحمَلُ فيه الماءُ مِن موضعٍ إلى موضعٍ تكونُ عليه أفواهٌ كأفواهِ الآبار مَنَافِسُ على السَّرَبِ.
          وقولُه: (فَأَتَى يَهُودَ فَقَالَ: أَنْتُمْ وَاللهِ قَتَلْتُمُوهُ) يحتملُ أنْ يكونَ تَحَقَّقَ ذلك عندَه لِقَرائنِ الأحوال، ويحتمل أنَّه يُنقَلُ إليه ذلك بالخبرِ الموجِبِ للعِلم.
          وقولُهم: (وَاللهِ مَا قَتَلْنَاهُ) مقابلةُ اليمينِ باليمينِ.
          وقولُه: (وَأَقْبَلَ هُوَ وَأَخُوهُ حُوَيِّصَةُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ أَخُو عَبْدِ اللهِ) يريد على رسولِ الله صلعم.
          وقولُه: (كَبِّرْ كَبِّرْ) يحتمل أن يُرادَ به تأديبُ مُحَيِّصَةَ، أو لِيسمَعَ مِن حُوَيِّصَةَ ما سَمِعَ مِن أخيه في أوَّلِ قولِه.
          وقولُه: (إِمَّا أَنْ يَدُوا صَاحِبَكُمْ، وَإِمَّا أَنْ يُؤْذَنُوا بِحَرْبٍ) يريد المتَّهَمِينَ بالقَتْلِ إذا لم يُعيَّن القاتلُ.
          وقولُه: (فَكَتَبَ إِلَيْهِمْ بِذَلِكَ) هو مِن تمامِ الحُكْمِ، والإعذارُ عند المالكيَّةِ واجبٌ.
          وقولُه لِوُلَاةِ الدَّمِ: (أَتَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ؟) يحتمل أن يكونوا أَتَوْا بِلَوْثٍ.
          وقولُه: (قَالُوا: لَا) تُوقُّفهم عن ذلك لأنَّهم لم يَشْهَدُوا قَتْلَهُ ولم يَقُمْ عندَهم مِن طريقِ الخبَرِ ما يقطعون به.
          وقولُه: (تَحْلِفُ لَكُمْ يَهُودُ) على معنى ردِّ الأَيمان.
          وقولُه: (لَيْسُوا بِمُسْلِمِينَ) أي لأنَّهم يَرَوْنَ قتْلَ المسلمِ دِينًا يستَخفونَ بالأَيمانِ في ذلك.
          وقولُه: (فَوَدَاهُ مِن عِنْدِهِ) يريدُ مِن بيتِ المالِ لأنَّهم أهلُ إبلٍ.