التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: هل يجوز للحاكم أن يبعث رجلًا وحده للنظر في الأمور؟

          ░39▒ بَابٌ هَلْ يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَبْعَثَ رَجُلًا وَحْدَهُ لِيَنْظُر فِي الْأُمُورِ
          7193- 7194- ذَكَرَ فيه حديثَ أَبِي هُرَيْرَةَ ☺: (وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ). الحديث، وقد سَلَفَ [خ¦2315].
          وهو مطابقٌ لِمَا ترجمَ له مِنْ بعْثِ الحاكمِ رجلًا واحدًا ينفِّذُ حُكمَهُ، قاله المُهَلَّب. وفيه حُجَّةٌ لمالكٍ في قولِه: إنَّه يجوزُ أن يُنْفِذَ واحدًا إلى إعذارِ مَن شُهِدَ عليه بحقٍّ، وأنَّه يجوزُ أن يتَّخِذَ رجلًا ثِقَةً يكشفُ له عن حالِ الشُّهودِ في السِّرِّ، وكذلك يجوزُ عندهم قَبولُ الواحدِ فيما طريقُه الإخبارُ ولم يكن طريقُه الشَّهادةُ.
          وقد استدلَّ به قومٌ في أنَّ الإمامَ إذا بعثَ رجلًا ينفِّذُ حُكمَهُ أنَّه ينْفُذُ مِن غيرِ إعذارٍ إلى المحكومِ عليه؛ لأنَّه لم يُنقَلْ في الحديثِ أنَّ أُنيسًا أعذَرَ إلى المرأةِ المدَّعَى عليها الزِّنا، وليس بشيءٍ لأنَّ الإعذارَ إنَّما يصحُّ فيما كانَ مِن الحكمِ بالبيِّنَاتِ فلا بدَّ في ذلك مِن الإعذارِ إلى المحكوم عليه، وما كان الحكمُ فيه مِن جِهَةِ الإقرارِ فلِلرَّسُولِ أنْ ينفِّذَهُ بإقرارِ المقِرِّ ولا إعذارَ فيه.
          وإنَّما اختلف العلماءُ هل يحتاج وكيلُ الحاكمِ إلى أن يُحضِرَ مَن يَسمعُ ذلك مِن المقِرِّ أم لا؟ على حسب اختلافِهم في الحاكم هل يحتاجُ إلى مِثْلِ ذلك أم لا؟ وأصلُ الإعذارِ في قولِه تعالى: {تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ} [هود:65] وقولِه: {إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ} [هود:81].
          فَصْلٌ: وفيه حجَّةٌ لمن قال: إنَّ القاضي يجوزُ أن يحكُمَ على الرَّجُلِ بإقرارِهِ دونَ بيِّنَةٍ تشهدُ عندَه بذلك الإقرارِ، وهو قولُ ابنِ أبي ليلى وأبي حنيفةَ وأبي يُوسُفَ، وقال مالكٌ: لا يَقضِي على الرَّجُلِ بإقرارِه حتَّى تشهدَ عندَه بيِّنَةٌ بذلك، وهو قولُ مُحَمَّد بن الحَسَنِ، واحتجَّ الطَّحاويُّ بقولِه: ((وَاغْدُ يا أُنيس على امرأةِ هذا فإنِ اعترفتْ فارجُمْها)) ولم يَقُل: فأَشْهِدْ عليها حتَّى يكونَ حُجَّةً لك بعد موتِها، قال: وقد قتَلَ مُعَاذٌ وأبو موسى مُرتدًّا وهما والِيانِ لِرسولِ الله صلعم على اليَمَنِ ولم يُشْهِدَا عليه.
          فَصْلٌ: واختلفوا إذا قال القاضي: قد حكمتُ على هذا الرَّجُلِ بالرَّجْمِ فارْجُمْهُ، فقال أبو حنيفةَ وأبو يُوسُفَ: إذا قال ذلك وَسِعك أنْ ترجُمَهُ، وكذلك سائرُ الحُدُودِ والحقوق، وقال ابنُ القاسم على مذهبِ مالكٍ: إنْ كان القاضي عَدْلًا وَسِعَ المأمورَ أن يَفعلَ ما قاله القاضي، وهو قولُ الشَّافعِيِّ. قال ابنُ القاسم: إنْ لم يكن عَدْلًا لم يُقبَلْ قولُه.
          وقال مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ: لا يجوزُ للقاضي أن يقولَ: أقرَّ عندي فلانٌ بكذا _لِشَيءٍ يُقضَى به عليه مِن قتْلٍ أو مالٍ أو عَتَاقٍ أو طَلاقٍ_ حتَّى يشهدَ معه على ذلك رجلانِ أو رَجُلٌ عَدْلٌ، ليس يكون هذا لِأَحَدٍ بعد رسولِ الله صلعم. وينبغي أن يكونَ في مجلِسِ القاضي أبدًا رجُلانِ عَدْلَانِ يسمعانِ مَن يُقِرُّ ويشهدانِ على ذلك فينفُذُ الحكمُ بِشهادتِهما وشهادةِ مَن حَضَرَ.
          فَصْلٌ: فيه مِن الفوائدِ نقْضُ الصُّلحِ إذا خالفَ كتابَ الله أو سنَّةً أو إجماعًا. وفيه تغريبُ الحُرِّ البِكْرِ بعد الجَلْدِ. وفيه التَّوكيلُ على إقامةِ الحدودِ. وفيه أنَّ مَن أقرَّ على نفْسِه بالزِّنا مرَّةً واحدةً كفى. وفيه أنَّ الحدودَ لله تعالى لا يجوزُ أخْذُ العِوَضِ عنها وتَرْكُها. وفيه أنَّ حدَّ القَذْفِ لا يُقِيمُه الإمامُ ما لم يَقُمْ به المقذوفُ.
          فَصْلٌ: وقولُه: (لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللهِ) ثمَّ قَضَى بالرَّجْمِ، وليس هو في كتابِ الله، فمعناه واللهُ أعلمُ بحُكْمِ الله، قال تعالى: {كِتَابَ اللهِ عَلَيْكُمْ} [النساء:24] أي حَكَمَ اللهِ عليكم فَرْضَهُ. والعَسِيْفُ الأجيرُ.
          وقولُه: / (فَزَنَا بِامْرَأَتِهِ) وهذا قذْفٌ، ولم يَحُدَّه ◙ وسَقَطَ حدُّ القَذْفِ للاعترافِ منها بذلك.
          فَصْلٌ: لم يختلف العلماءُ أنَّ حدَّ البِكْرِ الجَلْدُ دون الرَّجْمِ وحدَّ الثَّيِّبِ الرَّجْمُ.
          فَصْلٌ: اختُلِفَ عند المالكيَّة في حدِّ مَن شارف البلوغَ ولم يَبْلُغْ، وفي حدِّ النَصْرانيِّ، ومَن أصابَ صغيرةً لا تُطيقُ الرَّجُلَ أو مَيْتةً أو بهيمةً أو مكرَهًا أو جاهلًا تحريم ذلك.
          فَصْلٌ: قال مالكٌ: يغرَّبُ المجلودُ مِن مصْرَ إلى الحجازِ، ومِن المدينةِ إلى فَدَكٍ وخَيْبرَ، وقال ابنُ القاسم: من مِصْرَ إلى أسْوانَ ودونها، ويُكتَبُ إلى والي الموضِعِ الَّذي يغرَّب إليه أن يسجِنَهُ سنةً عندَه، قال ابنُ حَبِيبٍ: ويؤرِّخُ يومَ سَجْنِهِ.